Monday 9 September 2019

الأخلاق و تأثير القانون الزراعي على القوانين الاخلاقية

هل الأخلاق ثابتة مطلقة ام نسبية متغيرة ؟ لقد اختلف الفلاسفة على الاجابة عن هذا السؤال على مر العصور و مازالوا مختلفين . لقد كانت جميع الأمم في القديم ترى أن اخلاقها هي الصحيحه وهي المعيار والمقياس وهذا يرجع الى قلة الاحتكاك بين الامم وبدائية طرائق النقل والمواصلات في العصور القديمة , ولكن في هذا العصر بعد تقدم طرائق النقل والمواصلات و توفر الانترنيت اصبح بالامكان الاطلاع على كل عادات وتقاليد الشعوب مهما بعدت . فترى ان الاخلاق تختلف من بلد الى بلد و من زمان الى  اخر , ففي الحقيقة ان الاخلاق مستمدة من التقاليد وليس الضمير او العقل فكل الامم تعتقد بأن اخلاقها مما يفرضه العقل و يرتضيه الضمير ولكن في الحقيقة تجد ان اخلاقهم  ليست الا امتدادا لعاداتهم وتقاليدهم . فترى ان ما كان اخلاقيا في بلد  يعد لا اخلاقيا في بلد اخر و ما يعد اخلاقيا في زمان ما يعد لا اخلاقيا في زمان اخر . فمثلا عند كثير من الامم اذا مرض احد الابوين يكون من بر الوالدين الاعتناء بهم و نقلهم الى المستشفيات حتى يشفو بينما نجد عند قبائل الملايو اذا مرض احد الابوين مرضا خطيرا فانهم يقتلونه لتخليصه من عذاب المرض و المه ويعدون هذا من بر الوالدين ويتفاخرون به . ونرى ان المسلمة ترى ان تغطية الرأس بالحجاب يعد من العفة بينما المراة الصينية تعد تغطية قدمها عفة . و يعد اكل لحوم البشر في وقتنا الحالي باعثا على التقزز و الاشمئزاز ولكن كان يعد عند بعض القبائل البدائية شيئا عاديا .اذن نرى ان الاخلاق نسبية وهي تختلف من مكان الى اخر ومن عصر الى اخر , فما الذي يحدد الاخلاق اذن . ان الذي يحدد نمط الاخلاق بالنسبة لشعب معين هو فائدتها للصالح العام اي بمقدار ما تنفع المجتمع . فمثلا يعد تعدد الزوجات في اوقات الحروب امرا طبيعيا و مندوب اليه ففي اوقات الحرب يزادا عدد النساء على الرجال فيعدد تعدد الزوجات في مثل هكذا مجتمع امرا مباركا اولا لزيادة عدد النسل وثانيا ان المراة لتؤثر امتلاك ظفر من رجل على الحرمان منه على الاطلاق . ولكن تعدد الزوجات في مجتمع ينعم بالسلم يعد محظورا من المحظورات و ذنبا لا يغتفر . 

تاثير القانون الزراعي على القوانين الاخلاقية 

من الواضح ان القوانين الاخلاقية تتغير فما الذي يغيرها اذن ؟ ولماذا تعد بعض الافعال حسنة في زمان أو مكان معينين و تعد قبيحة في زمان أو مكان اخر ؟ من المحتمل أن تبدل الاساس الاقتصادي للحياة هو الذي يحدد التغير الاخلاقي و لقد وقع في التاريخ نوعان  من التغير العميق احدهما الانتقال من الصيد الى الزراعة والاخر الانتقال من الزراعة الى الصناعة و في كل طور منهما اتضح ان القانون الاخلاقي الذي كان يرى صالح الجماعة في الطور السابق من الحياة اصبح غير ملائم واخذ يتعدل تدريجيا و بطيئا في ظل النظام الاقتصادي الجديد , فمثلا عاشت جميع اجناس البشر في القديم على مطاردة الحيوانات و قتلها وتقطيع اجزائها و كانت الشراهة حينها صفة لازمة للبقاء وحفظ الذات فالانسان في مرحلة الصيد كان يأكل كما يأكل الكلب في عصرنا الحديث و ذلك لأنه لم يعرف متى يتناول وجبته القادمة , فالشراهة بنت القلق كما ان القسوة بنت الخوف . فكل رذيلة اليوم كانت تعتبر فضيلة سابقا , فالوحشية والكراهية والشراهة التي تعتبر في عصرنا هذا من الرذائل المحقورة كانت تعتبر في مرحلة الصيد ضرورية في الصراع من اجل البقاء . فهنالك عرض و طلب على الاخلاق كما على السلع . ثم انتقل الانسان من مرحلة الصيد الى الزراعة .  نحن لا نعلم على وجه التحديد متى تم هذا النتقال و لكن نحن على يقين من أن هذا التحول العظيم خلق فضائل جديدة لم تكن موجودة في مرحلة الصيد و انقلب الكثير من الفضائل القديمة الى رذائل . فصار العمل والدأب ألزم للحياة من الشجاعة و الاقتصاد مرغوبا اكثر من القسوة و السلم انفع من الحرب و ارتفعت قيمة المرأة لأنها أصبحت أعظم قيمة في مجال الزراعة منها في مجال الصيد و انتقل الأنسان من الفوضى الجنسية الى الزواج المنظم و ذلك لأن الزواج من المرأة ارخص من استخدام أمرأة تكلف نفقة كبيرة في مهام الزراعة بل أن أي طفل تنجبه المرأة تصبح المعونة التي يقدمها في اداء مهام الزراعة أقل من تكاليف غذائه و كسائه البسيطين , فالأبناء يساعدون ابائهم في مهام الحقل و حتى الفتيات كن نافعات الى حد ما من اجل ذلك ارتفعت قداسة الامومة و اعتبر منع الحمل منافيا للاخلاق و كانت الاسرة الكثيرة العدد ينالها رضا المجتمع لأنه كلما ازداد عدد الاطفال زادت المعونة التي يقدمونها في مهام الحقل والزراعة . لذلك كان من المعقول ان تقبل تعاليم المسيحية عدم تعدد الزوجات و عدم الانفصال بين الزوجين وذلك لان زوجة الفلاح كانت تلد له كثيرا من الاطفال وكان من الصواب ان يحتفظ الاب والام بولاء احدهما للاخر لذلك سادت مفاهيم اخلاص الازواج لبعضهم والاقتصار على زوجة واحدة بغير طلاق والعفة والميل الى كثرة النسل متماسكة في ظل القانون الزراعي .

No comments:

Post a Comment

Roman history part 10, the second Punic war 6

In the aftermath of capturing Terentum. The city of thory sent to Hanniabl  appealing to him to librate them from the Roman rule. Hannibal s...