Thursday, 30 April 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 11

بدأنا في الحديث في المقالة السابقة عن العوامل البعيدة التي تؤثر في آراء الجماعات و معتقداتها و شرحنا في تلك المقالة عامل الشعب و سوف نكمل  بقية العوامل ، و سوف نبدأ بالتقاليد . التقاليد عبار عن ماضي الامة في أفكارها و حاجاتها و مشاعرها ، فهي تشخص روح الشعب و لها في القوم تأثير عظيم . إن كثيرا من المفكرين و أقطاب السياسة لا يزالون على أفكار الماضي ، فيعتقدون أنه يتيسر للأمة أن تنخلع من ماضيها وتنشأ نفسها من جديد غير مستهدية في ذلك الا بنور العقل وحده ، و فاتهم أن الامة جسم منظم أوجده الماضي ، فهي كغيرها من الاجسام لا تستطيع الانتقال من طور الى طور إلا بتراكم آثار الوراثة فيها على مهل . و الذي يقود الناس و لا سيما اذا اجتمعوا إنما هي التقاليد و هم لا يسهل عليهم أن يغيروا منها سوى الاسماء و الاشكال . و ليس هذا مما يوجب الاسف ، إذ لولا التقاليد ما كان هنالك شئ يقال له روح قومية و لا حضارة ممكنة ، ألا ترى أن هم الناس مذ وجدوا أن يكون لهم تقاليد ، فإذا زال نفعها اجتهدوا في هدمها . و الحاصل أنه لا مدنية من دون تقاليد . ثم ان الرقي موقوف على هدمها . و الصعوبة في ايجاد التوازن بين التقلب و البقاء ، إلا أنها صعوبة كبرى ، فإذا تأصلت في الامة عادات و تمكنت منها أخلاق عدة أجيال تعذر عليها الانتقال ، و لا تؤثر فيها الثورات العنيفة ، لانها لا تأتي الا بإحدى نتيجتين : فإما الحلقات التي تقطعت من السلسلة تنضم و تلتحم ببعضها فيعود الماضي الى التربع في سيادته بدون تغيير ما . و اما ان تبقى تلك الحلقات منثورة فهي الفوضى و يتبعها التقهقر و الانحطاط . لذلك كان اكبر النعم التي يجب ان تصبو اليها الامة هي المحافظة على الانظمة التي ورثتها ، و أن تسير في الانتقال بها من طور الى اكمل منه على مهل و بلا اهتزاز . و أشد الناس محافظة على الافكار القديمة و التقليدية و اصعبهم مراسا في معارضة من يحاول تبديلها هي الجماعات .

No comments:

Post a Comment

Roman history part 10, the second Punic war 6

In the aftermath of capturing Terentum. The city of thory sent to Hanniabl  appealing to him to librate them from the Roman rule. Hannibal s...