Monday 18 May 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 20

سنتحدث عن قادة الجماعات و طرقهم في الاقناع . ما اجتمع عدد من الاحياء سواء كان من الحيوان أو من بني الانسان الا جعل له بمقتضى الفطرة رئيسا . و الرئيس في الجماعات البشرية عبارة عن قائد في الغالب الا أن له بذلك شأنا كبيرا تجتمع الافكار و تتحد حول ارادته ، و هو الركن الأول الذي يقوم به نظام وحدة الجماعات و يهيئها لأن تصير طائفة خاصة . 
و العادة أن القائد يكون قبل ذلك مقودا : أعني أنه كان مسحورا بالفكرة التي صار هو الداعي إليها حتى استولت عليه استيلاء لا يرى معه الا ما كان منها ، و ان كل ما يخالفها باطل ، كما جرى للزعيم ( روبسبير ) أسكرته أفكار ( روسو ) فقام يدعو اليها ، و استعمل الاضطهاد وسيلة لنشرها . 
ليس القادة غالبا من اهل الرأي و الصحافة ، بل هم من أهل العمل و الإقدام ، و هم قليلوا التبصر . على أن ليس في قدرتهم التبصر ، لأن التأمل يؤدي غالبا الى الشك ثم الى السكون ، و هم يخرجون عادة من بين ذوي الاعصاب المريضة المتهوسين الذين اضطربت قواهم العقلية الى النصف ، و أمسوا على شفا جرف الجنون ، لا ينفع الدليل على فساد ما اعتقدوا كيفما كان معتقدهم باطلا ، و لا تثنيهم حجة عن طلب ما قصدوا بالغا منه الخطل ما بلغ ، و لا يؤثر فيهم الاحتقار و الاضطهاد ، بل يزيدهم تهوسا و عنادا ، حتى أنهم يفقدون غريزة المحافظة على النفس فلا يبتغون في الغالب أجرا على عملهم إلا أن يكونوا من ضحاياه . تزيد شدة اعتقادهم في قوة تأثير أقوالهم ، و الجموع تصغي دائما الى قول ذي الارادة القوية الذي يعرف كيف يتسلط عليها . و متى ما صار الناس جماعة فقدوا ارادتهم و التفوا كلهم حول من كان له شئ منها . 

وجد القادة في الأمم على الدوام غير أنهم ليسوا جميعا من أهل الاعتقاد الصادق الذي يصير به المرء رسولا في قومه ، بل في الغالب قوالون سوفسطائيون الا وراء منافعهم الذاتية فيتملقون ذوي المشاعر السافلة ليكتسبوا رضاهم و قد يكون النفوذ الذي ينالونه بهذه الوسائل كبيرا جدا إلا أنه سريع الزوال . أما أصحاب المعتقدات الصحيحة الذين تمكنوا من نفوس الجماعات و حركوها مثل ( بطرس الراهب ) و (لوثر) و ( سافونارول ) و رجال الثورة الفرنسية و غيرهم ، فإنهم لم يتمكنوا من خلب العقول و اجتذاب الأرواح إلا بعد أن سكروا بخمر المذهب الذي اعتقدوه . و بذلك توصلوا الى توليد تلك القوة الهائلة في النفوس ، و هي التصديق الذي يجعل المرء عبدا لخياله . 

No comments:

Post a Comment