Wednesday 20 May 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 22

سنتحدث عن وسائل القادة في التأثير ، و سنبدأ في التوكيد و التكرار و العدوى . إذا مست الحاجة الى قيادة جماعة و حملها على عمل من الاعمال كإحراق قصر أو الاستماتة في الدفاع عن حصن أو معقل ، وجب التأثير فيها بخواطر سريعة . و الأمثولة أشد تأثيرا في نفوسها إلا أنه يجب أن تكون هنالك أحوال جعلتها مستعدة للتأثر ، و أن يكون من يريد تحريكها حائزا للنفوذ ، و سيأتي الكلام فيه 
لكن إذا كان الغرض بث أفكار في عقولها أو معتقدات في نفوسها كالأفكار الأشتراكية العصرية ، فالوسائل غير ما تقدم و أخص ما يستعمله القادة ثلاث : التوكيد و التكرار و العدوى ، و لذلك تأثير بطئ ، إلا أنه متى انبث فيها المطلوب لزمها زمنا طويلا . 
فأما التوكيد فإنه من أهم العوامل لبث الفكر في نفوس الجماعات متى كان بسيطا خاليا من التعقل و الدليل ، و كلما كان التوكيد موجزا و مجردا عن كل ما له مسحة الحجة و التقرير كان عظيم التأثير ، فالتوكيد قيمته يعرفها أهل السياسة الذين يريدون الدفاع عن عمل سياسي ، و أهل الصناعات الذين يروجون بضاعتهم بالنشر عنها . 
إلا أن قيمة التوكيد هي بدوام تكراره بالألفاظ عينها ما أمكن ذلك . و أظن أن نابليون هو القائل بأن أهم صيغ البيان التكرار ، فإذا تكرر الشئ رسخ في الأذهان رسوخا تنتهي بقبوله حقيقة ناصعة . 
للتكرار تأثير في عقول المستنرين و تأثيره أكبر في عقول الجماعات من باب أولى . و السبب في ذلك كون المكرر ينطبع في تجاويف الملكات اللاشعورية التي تختمر فيها أسباب أفعال الإنسان ، فإذا انقضى شطر من الزمن نسي الواحد منا صاحب التكرار و انتهى بتصديق المكرر . و هذا هو السر في تأثير الإعلانات العجيب . يقرأ الواحد مئة مرة أن أحسن الحلوى ما صنعه المصنع الفلاني فينتهي به الى أن يصدق ذلك .

و متى كثر تكرار أمر و أجمع المكررون عليه تولد من عملهم تيار فكري يتلوه ذلك المؤثر العظيم ، أي العدوى ، كما وقع ذلك في بعض المشروعات المالية الشهيرة التي تمكن أصحابها بثروتهم من كسب كل قادر على معونتهم ، لأن الافكار و المشاعر و التأثيرات و المعتقدات عدوى في الجماعات تماثل في قوتها عدوى المكروبات ، و ذلك أمر طبيعي لوجوده في الحيوانات متى اجتمعت ، فالفرس يقبع في مربطه فتفعل فعله الخيل كلها ، و تجزع الشاة أو تضطرب في حركتها فتفعل الغنم مثلها ، كذلك حركات الانسان في الجماعة عدوى سريعة جدا ، و هذا هو السبب في سرعة انزعاج الكل لفزع واحد منهم ، حتى إن اختلال القوى العقلية معد و كثير ما هم أطباء المجانين الذين جنوا ، و شاهد بعضهم نوعا من الجنون تنتقل عدواه من الانسان الى الحيوان .  

No comments:

Post a Comment