Friday 12 June 2020

مصطفى حجازي ، سايكلوجيا الانسان المقهور ، نظريات التخلف الجزء 1

الطريقة السطحية في دراسة التخلف : 
 الطريقة الأكثر قدما و شيوعا لدراسة التخلف في رأي واضعي دائرة المعارف العالية هي التي تعرف الظاهرة بأغراضها . و النموذج عليها : الأبحاث و الكتابات التي نشرتها الأمم المتحدة . فمن مميزات التخلف مثلا : الفقر ، حالة التغذية ، الحالة الصحية ، التعليم ، و أهمها على الإطلاق متوسط الدخل الفردي . و هنا تنقسم البلاد الى عدة فئات ، من الاكثر تخلفا الى الاكثر تقدما . فالباد من الفئة الاولى ، هي التي يقل دخل الفرد فيها عن 100 دولار سنويا . اما البلاد النامية فيتراوح الدخل فيها ما بين 100 الى 300 دولار و هي البلدان التي تضم النسبة الكبرى من سكان الكرة الارضية . و هناك بلاد على طريق النمو يتراوح الدخل فيها ما بين 300 الى 1000 دولار ، و أخيرا البلدان الصناعية المتقدمة و يتجاوز الدخل فيها 1000 دولار .
إلا أن مؤشر الدخل القومي مقسما على عدد السكان مضلل جدا . فهو من ناحية لا يبين التشتت الكبير في مستوى مختلف الفئات التي يتكون منها المجتمع . فالدخل لا يتوزع مطلقا بالتساوي . هناك فئة قليلة تحظى بالنسبة الأكبر من الدخل ، و تعيش فوق مستوى الفئة المماثلة لها في البلاد المتقدمة ، و هي في حالة من البذخ المادي المفرط . بينما الغالبية الكبرى من السكان تعيش دون مستوى الكفاف ، دون الحد الأدنى الحيوي . و من ناحية اخرى فهنالك ظاهرة الغنى المفاجئ في الدول البترولية ، دون أن تعكس هذه الثروة تطورا في البنى الاقتصادية و الاجتماعية يرتقي بها الى مستوى التقدم . هذه الثورة وليدة قطاع محدود و معزول عن بقية قطاعات الانتاج التي تظل متخلفة و بدائية . ثم إن استخدام الثروات النفطية ما زال ، في كثير من حالاته و في نسبة مهمة منه ، من النوع المتخلف ( الاستهلاك الدخلي للسلع المستوردة أو التوظيف في الخارج ) .
أما لاكوست فيلخص المحكات السطحية للتخلف في ثلاثة : الدخل القومي للفرد بالمتوسط ، الوحدات الحرارية المستهلكة في التغذية ، مستوى التعليم أو نسبة انتشار الامية . هذه المحكات لا تتوافق دائما فيما بينها . فالدخل القومي قد يكون كبيرا و لكن التغذية سيئة او العكس . و من رأيه أن الجوع هو أخطر أعراض التخلف و اكثرها عمومية ، فهو يميز مجمل الباد النامية ، فثلاثة أرباع البشرية تعاني من سوء التغذية . 
و تزداد المشكلة خطورة بسبب التفاوت الهائل في المستوى المعيشي و الغذائي للسكان . فهنالك قلة تستهلك اكثر بكثير مما يجب من الوحدات الحرارية . و لكن الغالبة العظمى من السكان تعاني من نقص الغذاء . 
يضاف الى ذلك و يضاعف من خطورته انحسار زراعة المواد المعيشية ، و تحول قسم مهم من الزراعة الى التصدير الخارجي ، مما يحرم غالبية السكان من المواد الغذائية الضرورية ، يضاف الى ذلك سوء توزيع الثروة و الغذاء داخليا ، و هو انعدام التكافؤ في عمليات التبادل الدولي بين المنتجات الزراعية و المنتجات المصنعة لمصلحة البلدان المتقدمة . 
لا تساعد النظرية السطحية على حسن التشخيص ووضع السياسات التنموية الملائمة .تعرف الطريقة السطحية التخلف إذا كظاهرة دونية اساسا ، فالبلد المتخلف هو أقل مستوى من بقية البلدان من حيث تأمين الحاجات الحيوية الضرورية للإنسان و مستوى انجازاته الاقتصادية و التقنية منخفض . و لكن هذا التعريف لا يستقيم نظرا لعدم توحيد المعايير من ناحية ، و لصعوبة المقارنة بين البلدان المتقدمة و النامية من ناحية اخرى ، و لوجود بلدان غنية حاليا ، و لكنها ما زالت متخلفة اجتماعيا من ناحية ثالثة . اذن لا بد من دراسة نوعية البنى الاقتصادية و الاجتماعية لبلد ما كي نحدد التخلف .

No comments:

Post a Comment

Roman history part 10, the second Punic war 6

In the aftermath of capturing Terentum. The city of thory sent to Hanniabl  appealing to him to librate them from the Roman rule. Hannibal s...