بدأنا في المقالة السابقة البحث عن العوامل القريبة المؤثرة في الجماعات . حيث بدأنا بأول عامل و هو الصور و الالفاظ . و سوف نكمل في هذا العامل . من تأمل في لغة من اللغات وجد أن الالفاظ التي تتركب منها لا تتغير مع الزمان إلا ببطئ عظيم ، إنما الذي يتغير على الدوام هو الصور التي تلازم تلك الالفاظ و المعاني التي تؤديها ، و من هنا ترجمة لغة بتامامها الى لغة اخرى ضرب من المستحيل ، خصوصا اذا كانت لغة أمة ميتة . و نحن اذا ترجمنا كلمة من اليونانية القديمة أو اللاتينية أو السنسيكريتية الى اللغة الانكليزية مثلا ، فهذا ليس إلا إحلال الصور و المعاني المنتزعة من حياتنا الحاضرة محل صور و معارف مغايرة لها بالمرة ، و كانت معروفة لأمم لا نسبة بين حياتنا و حياتهم . فمثلا كلمة الحرية لا يوجد هنالك شبه بين المعنى المراد منها في اليونان القديمة و المعنى المراد منها في وقتنا الحاضر . و كان معنى كلمة الوطن مختلف كذلك ، فلقد كانت كلمة الوطن تشير الى المدينة ، سواء كانت تلك المدينة أثينا او سبارطا ، و لم تكن تشير الى البلاد اليونانية مجتمعة . فلقد كانت هذه المدن اليونانية متباغضة متقاتلة على الدوام . و ما اكثر الالفاظ التي تغير معناها تغيرا كليا من جيل الى جيل ، و لم نعد ندرك معانيها الاولى الا مع الجهد و المشقة ، و لقد أصاب القائل بوجوب الاطلاع على كتب كثيرة للوقوف على ما كان يفهمه أجدادنا من بعض الالفاظ مثل ملك و عائلة ملكية ، فما بالك بغيرها مما له معنى دقيق . نتج من هذا أن معاني الالفاظ غير ثابتة ، و أنها عرضية وقتية تتغير بتغير الأجيال و تختلف باختلاف الامم ، فإذا أردنا أن نؤثر في الجماعات لزمنا أن نعرف معنى الالفاظ عندها وقت مخاطبتها لا معناها القديم ، و لا الذي يفهمه منها من يختلف معها في الفكر و المعقول . و من أجل هذا متى تمت الانقلابات السياسية و استقرت معتقدات مكان اخرى و تمكن بذلك نفور الجماعات من الصور التي تحضرها الالفاظ ، وجب على رجال السياسة الجديرين بهذا الاسم أن يسارعوا الى تغيير تلك الالفاظ من دون ان يتعرضوا للمسميات ، لأن هذه مرتبطة بمزاج القوم الموروث ارتباطا ليس من السهل تغييره .
This website interested in explanation of major historical events and the scientific method by which we deal with history to reach the historical fact as could as possible.
Friday, 8 May 2020
Thursday, 7 May 2020
روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 15
فرغنا من البحث في العوامل البعيدة التحضيرية التي تهيئ نفوس الجماعات لظهور بعض الاميال و الافكار . بقي علينا ان نبحث في العوامل القريبة ، اي التي تؤثر فيها مباشرة . سنبحث في هذه المقالة أول عامل من العوامل القريبة و هو عامل الصور و الالفاظ و الجمل . أن الجماعات تتأثر على الاخص بالصور . و ليست الصور ممكنة في كل وقت ، لكن من السهل استحضارها في الذهن بالحذق في استعمال الالفاظ و الجمل ، و متى كان المستعمل لهما بارعا فلها قوة السحر على الجماعات ، فهي التي تثير في نفس الجماعات أشد صواعق الغضب ، و هي التي تسكنها اذا جاشت ، و لو جمعت عظام الذين ذهبوا ضحية الالفاظ و الجمل لأمكن أن يقام منها هرم أرفع من هرم خيوبس القديم. السر في تأثير الالفاظ للصور التي تحضر في الذهن بواسطتها ، و ليس لذلك التأثير ارتباط بمعانيها الحقيقية ، بل الغالب أن أشدها تأثيرا ما كان معناه غير واضح تماما . مثال ذلك كلمات : ديمقراطية ، اشتراكية ، مساواة ، حرية ... و هكذا مما أبهم معناه . و الكل يسلم أن لها سلطانا ينساب في النفوس كأنها اشتملت على حل المسائل الاجتماعية كلها ، و فيها تتمثل الاميال اللاشعورية على اختلافها و الامل في تحقيقها . لبعض الالفاظ و الجمل سلطان لا يضعفه العقل و لا يؤثر فيه الدليل ، الفاظ و جمل ينطقها المتكلم خاشعا أمام الجماعات فلا تكاد تخرج من فمه حتى تعلو الهيبة وجوه السامعين و تعنو الوجوه لها احتراما ، و كثير يعتقدون ان فيها قوة الهية . الفاظ و جمل تثير في النفوس صورا لا كيف لها و لا انحصار ، محفوفة بالإكبار و الإعظام ، ابهامها و غموضها يزيد في قوتها الخفية ، فهي آلهة لا تدركها الابصار قد احتجبت خلف المظلة التي ترتعد لهيبتها فرائص العابد إذا تقدم نحوها . و لما كانت الصور التي تستحضرها الالفاظ مستقلة عن معانيها كانت مختلفة باختلاف الاجيال و الامم و ان اتحدت صيغتها ، و لبعض الالفاظ صور تتلوها على الأثر كأن الكلمة منبه اذا تحرك برزت صورته . و من الالفاظ ما هو مجرد عن قوة استحضار صورة ما ، و منها ما تكون له تلك القوة أولا ، ثم تبلى بالاستعمال فتفقدها تماما و تصير اصواتا فارغة تنحصر فائدتها في إعفاء المتكلم بها من التفكر و الامعان . و من السهل على الانسان إذا حفظ في صغره قليلا من الالفاظ و شيئا من الجمل المصطلح عليها أن يجتاز الحياة بها من دون الحاجة الى اجهاد النفس بالفكر في امر من امور الدنيا .
Friday, 1 May 2020
روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 14
نكمل في العوامل البعيدة المؤثرة في آراء الجماعات و معتقداتها . و سنتناول في هذه المقالة التربية و التعليم . لكل عصر أفكار تسود فيه و إن كانت في الغالب من قبيل الخيالات . و من الافكار السائدة في هذا العصر أن للتعليم قدرة على تغيير الرجال تغييرا محسوسا ، و أن نتيجته التي لا يشكون فيها هي اصلاحهم ، بل ايجاد المساواة بينهم . ذكروا ذلك و كرروه فصار احد الافكار الثابتة ، و أصبح التعرض له من أصعب الامور ، كما كان يصعب التعرض لسلطان الكنيسة في السابق . نعم مما لا يشك فيه ان التعليم إذا حسنت طرائقه ينتج نتائج عملية ذات فائدة كبيرة ، فإذا هو لم يرفع درجة التهذيب و يؤثر في رقي الاخلاق ، فإنه ينمي الكفاءات الفنية . و لكن لسوء الحظ فإن التربية اذا ساءت طرائقها فيكون ضررها أكبر من نفعها . و أول هذه الطرائق الخاطئة في التعليم ما يحكم علم النفس عليها بالفساد . ذلك أنهم قالوا إن الحفظ عن ظهر قلب يزيد الذكاء و يقوي الفطنة ، ثم انتقلوا من هذا الى وجوب الاكثار من الحفظ ما استطاعوا ، و صار المتعلم في المدرسة الابتدائية و الثانوية و العالية حتى الذي يتلقى علوم الاستاذية لا يعمل إلا للحفظ ، و هو في ذلك كله لا يدرب مداركه و لا يمرن ملكة الاقدام على العمل من نفسه ، لان التعليم في نظره ينحصر في القاء المحفوظ و في الخضوع . و لكن لو كان ضرر هذه التربية قاصرا على عدم فائدتها لاكتفينا بالعطف على اولئك الاطفال المساكين الذين يحفظون تلك الكتب المدرسية المملة ، بدلا من أن يتعلموا أشياء اخرى نافعة ، لكن ضررها اكبر من ذلك ، فهي تولد في نفس المتعلم سآمة شديدة من حالته التي هو عليها بمقتضى نشأته ، و رغبة شديدة في الانسلاخ عنها ، فلا الصانع يبغي البقاء على صنعته و لا الفلاح يميل الى الدوام في فلاحته . و أقل الناس في الطبقة الوسطى لا يختار لابنائه عملا إلا في وظائف الحكومة . و المدرسة لا تربي رجالا قادرين على الحياة ، و انما تخرج عمالا لوظائف ينجح فيها الانسان دون أن يهتم بقيادة نفسه و لا أن يتقدم الى عمل من ذاته . ان الاكتساب السطحي لتلك المعارف الكثيرة و أجادة حفظ و استظهار تلك الكتب المدرسية المملة لا يرقي فينا ملكة العقل . أما التعليم الفني العملي هو الذي يربي فينا ملكة العقل و الملاحظة .
روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 13
تناولنا في آخر المقالات العوامل البعيدة المؤثرة في آراء الجماعات و معتقداتها ، حيث تناولنا في المقالة السابقة عامل الزمان و سنكمل في بقية العوامل . في هذه المقالة سنتناول عامل الانظمة السياسية و الاجتماعية . لا يزال الناس يذهبون الى ان الانظمة تقوم و تعدل ما اعوج من الهيئة الاجتماعية ، و ان تقدم الامم أثر من آثار اتقان تلك الانظمة و اصلاح الحكومات ، و انه يمكن احداث الانقلابات الاجتماعية بواسطة الاوامر و القوانين . ذاك وهم تأصل في الافكار لما تبدده التجارب على تكرارها ، و قد ضاعت جهود الفلاسفة و المؤرخين سدى في بيان فساده و بطلانه . ان الانظمة هي بنات الافكار و المشاعر و الاخلاق ، و ان الافكار و المشاعر و الاخلاق لا تتغير بتغيير القوانين ، و ان الامم لا تختار نظامها كما تشتهي ، كما انها لا تملك اختيار لون اعينها و شعر رؤوسها ، بل ان الانظمة و الحكومات هي ثمرة الشعب التي هي فيه ، فليست هي التي تخلق زمانها ، و لكنها هي التي أوجدها زمانها . و كما ان كل نظام لم يستقر الا بعد قرون عدة كذلك ينبغي لتغييره قرون عدة . و ليست للانظمة قيمة نوعية في ذاتها ، فهي لا تكون حسنة لذاتها و لا هي رديئة لذاتها . و ان ما صلح منها لامة في زمان من الممكن ان يكون مضرا في امة اخرى . لذلك كان من المحقق ان الامة لا تستطيع ان تغير انظمتها كما تشاء ، نعم بإمكانها ان تبدل أسماءها بواسطة الثورات العنيفة و الاضطرابات القوية ، لكن اللب يبقى كما كان . أما الاسماء فهي عناوين لا يلتفت اليها المؤرخ الذي ينقب عن حقائق الاشياء . لذلك كان من العبث جدا اضاعة الزمن في خلق نظام جديد من جديد ، فلا فائدة من ذلك ، فالحاجة و الزمان هما الكفيلان بإعداده اذا عقل الناس و تركوا هذين العاملين يعملان . فالقوانين في كل أمة منتزعة من روحها ، و أنه لا يمكن لذلك تغييرها عنوة و قسرا . يجوز الجدل فلسفيا في هل حصر السلطة و ارجاعها في النهاية الى يد واحدة أفضل من تفريقها ، أم العكس أولى . لكن إذا رأينا امة مؤلفة من عناصر مختلفة قضت الف عام فوصلت بعد ذلك الى حصر السلطة و جمعها ، و رأينا من جهة أخرى أن ثورة عظيمة جائت لتحطم كل نظام ولده الزمان قد احترمت هذا الحصر و بالغت فيه ، كان لنا ان نقول : ان هذا النظام هو ابن الضرورة التي لا مفر منها ، و انه شرط من شروط حياة تلك الامة ، و أن نرثي لحال اولئك السياسيين الذين يذهبون الى وجوب ابطال ذلك النظام . و لو أن الصدفة ساعدتهم على نيل ما يبتغون لكانت نتيجة ذلك قيام حرب أهلية يستطير شررها و العودة عاجلا ام آجلا الى حصر السلطة بأشد مما هي عليه . نتج من ذلك أن التأثير الحقيقي في روح الجماعات لا يكون عن طريق الانظمة . و أن الذي يحكم الامم انما هو اخلاقها . و كل نظام لا يندمج مع تلك الاخلاق و يمتزج بها تمام الامتزاج يكون أشبه بالثوب المستعار و هو ستار لا يدوم .
Thursday, 30 April 2020
روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 12
نكمل في سلسلة المقالات التي تتكلم عن العوامل البعيدة المؤثرة في اراء الجماعات و معتقداتها . حيث تكلمنا في المقالة السابقة عن التقاليد و سنتكلم في هذه المقالة عن الزمان . من اهم العوامل التي يبحث فيها في علم الاجتماع هو الزمان ، فهو الموجد الحقيقي الوحيد و هو الهادم القوي الوحيد . هو الذي كون الجبال من حبيبات الرمال و رفع الخلية الحقيرة التي اشتملت على اصل الوجود النوعي الى مقام الانسان ، و كل ظاهرة و كل حادثة لا تتغير و لا تتحول الا بالزمان . و لقد اصاب من قال أن النملة اذا امتد امامها الزمن فبوسعها أن تجعل الجبل الرفيع مهادا ، و لو أن موجودا تمكن من تصريف الزمان كما يشاء لكان صاحب القوة التي يعترف بها المؤمنون للواحد الديان . بحثنا هنا قاصر على تأثير الزمان في آراء الجماعات و معتقداتها ، و هو فيها له كذلك الاثر العظيم ، فهو القاهر فوق اكبر المؤثرات الاخرى من التي لا تكون بدونه كالشعب و غيره و هو الذي يولد المعتقدات فينميها ثم يميتها ، و منه تستمد قوتها و بفعله يتولاها الضعف و الانحلال . و الزمان هو بالاخص محضر آراء الجماعات أو قل هو مهيئ التربة التي نبتت فيها . و لذلك صح وجود بعض الافكار في زمن و امتنع وجودها في زمن آخر . فالزمان هو الذي يهيئ قيام الاراء و المذاهب في العصور المتتابعة ، لانها لا تنبت صدفة و لا توجد اتفاقا ، بل إن لكل واحد منها جذورا تمتد في زمن بعيد ، فإذا انبثقت فإنما الزمان هو الذي هيأ تفتح ازهارها ، و اذا أردت أن تعرف كنهها فارجع الى ماضيها . هي بنات الماضي و امهات المستقبل . نتج من هذا ان الزمان هو صاحب السيادة الحقيقية فينا ، و ما علينا الا ان نتركه يعمل لنرى كل شئ يتحول و يتبدل .
روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 11
بدأنا في الحديث في المقالة السابقة عن العوامل البعيدة التي تؤثر في آراء الجماعات و معتقداتها و شرحنا في تلك المقالة عامل الشعب و سوف نكمل بقية العوامل ، و سوف نبدأ بالتقاليد . التقاليد عبار عن ماضي الامة في أفكارها و حاجاتها و مشاعرها ، فهي تشخص روح الشعب و لها في القوم تأثير عظيم . إن كثيرا من المفكرين و أقطاب السياسة لا يزالون على أفكار الماضي ، فيعتقدون أنه يتيسر للأمة أن تنخلع من ماضيها وتنشأ نفسها من جديد غير مستهدية في ذلك الا بنور العقل وحده ، و فاتهم أن الامة جسم منظم أوجده الماضي ، فهي كغيرها من الاجسام لا تستطيع الانتقال من طور الى طور إلا بتراكم آثار الوراثة فيها على مهل . و الذي يقود الناس و لا سيما اذا اجتمعوا إنما هي التقاليد و هم لا يسهل عليهم أن يغيروا منها سوى الاسماء و الاشكال . و ليس هذا مما يوجب الاسف ، إذ لولا التقاليد ما كان هنالك شئ يقال له روح قومية و لا حضارة ممكنة ، ألا ترى أن هم الناس مذ وجدوا أن يكون لهم تقاليد ، فإذا زال نفعها اجتهدوا في هدمها . و الحاصل أنه لا مدنية من دون تقاليد . ثم ان الرقي موقوف على هدمها . و الصعوبة في ايجاد التوازن بين التقلب و البقاء ، إلا أنها صعوبة كبرى ، فإذا تأصلت في الامة عادات و تمكنت منها أخلاق عدة أجيال تعذر عليها الانتقال ، و لا تؤثر فيها الثورات العنيفة ، لانها لا تأتي الا بإحدى نتيجتين : فإما الحلقات التي تقطعت من السلسلة تنضم و تلتحم ببعضها فيعود الماضي الى التربع في سيادته بدون تغيير ما . و اما ان تبقى تلك الحلقات منثورة فهي الفوضى و يتبعها التقهقر و الانحطاط . لذلك كان اكبر النعم التي يجب ان تصبو اليها الامة هي المحافظة على الانظمة التي ورثتها ، و أن تسير في الانتقال بها من طور الى اكمل منه على مهل و بلا اهتزاز . و أشد الناس محافظة على الافكار القديمة و التقليدية و اصعبهم مراسا في معارضة من يحاول تبديلها هي الجماعات .
Wednesday, 29 April 2020
روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 10
سنتكلم في هذه المقالة عن كيفية تولد اراء الجماعة و معتقداتها و كيفية حلول هذه الاراء و استقرارها في النفوس . العوامل التي تولد اراء الجماعات على قسمين بعيدة و قريبة ، أما البعيدة فهي التي تهيئ الجماعات لقبول بعض المعتقدات دون بعض ، أعني أنها التربة التي تنبت فيها افكار جديدة ذات قوة و أثر مدهشين ، و ظهور تلك الافكار يكون فجأة ، فقد تشبه في انبثاقها و العمل بها انقضاض الصاعقة ، إلا انها نتيجة عمل سابق طويل ينبغي البحث عنه . و أما العوامل القريبة فهي التي تأتي بعد هذا العمل الطويل و لا اثر لها بدونه ، و وظيفتها تكوين الاعتقاد الداعي الى الفعل ، أعني أنها تقوم الفكر و تقذف به الى الخارج مع جميع ما يحتمل من النتائج ، فهي التي تدفع الجماعات فجأة للقيام بما تمكن من نفسها من الاعمال ، و هي علة القلاقل و الاعتصابات و التفاف الجم الغفير حول رجل يرتفع بذلك الى الاوج أو ضد حكومة تهبط الى الدرك الاسفل . تتعاقب العوامل بقسميها في جميع حوادث التاريخ العظيمة ، ففي الثورة الفرنسية و هي أكبر مثال لتلك الحوادث ، كانت العوامل البعيدة هي كتب الفلاسفة و تقدم العلم و هي التي هيئت روح الجماعات ، ثم جائت العوامل القريبة مثل خطب الخطباء و معارضة ملك فرنسا لويس السادس عشر لأجراء الاصلاحات و هي التي أثارت الجماعات بسهولة . و من العوامل البعيدة ما هو عام ، بمعنى أنه يؤثر في معتقدات كل جماعة و في آرائها و هي الشعب و التقاليد و الزمن و الانظمة و التربية . و سنبحث في شأن كل واحد من هذه العوامل ، و لكن في هذه المقالة سنقصر بحثنا على الشعب و نكمل البقية في المقالات القادمة . الشعب : بدأنا به لأن له المقام الاول بين العوامل ، فله وحده من الأثر ما يربو على آثارها جميعا . أن الشعب متى ما كملت مميزاته يصير بمقتضى الوراثة نفسها ذا قوة عظمى ، و تكون له روح ترجع اليها اعتقاداته و أنظمته و فنونه و جميع عناصر مدينته ، كذلك أن قوة الشعب تبلغ حدا يتعذر معه انتقال أحد هذه العناصر من امة الى اخرى من دون ان يتغير تغيرا عاما . فمثلا يستحيل أن تنتقل اللغة أو الدين أو الفنون أو أي عنصر من عناصر المدنية من امة الى اخرى الا اذا اصابها التغير و التحول . نعم إن البيئة و الاحوال و الحوادث تشخص مقتضيات الزمن الذي هي فيه ، و قد يكون لها تأثير كبير لكنه تأثير عرضي على الدوام اذا تضارب مع مقتضيات الشعب ، أعني مع سلسلة تلك المؤثرات الوراثية .
Subscribe to:
Posts (Atom)
Roman history part 10, the second Punic war 6
In the aftermath of capturing Terentum. The city of thory sent to Hanniabl appealing to him to librate them from the Roman rule. Hannibal s...
-
Rome originated in the 8th century BC, to transform from a small city on the bank of river Tiber to a great empire extends from the Britai...
-
في القرن الثامن قبل الميلاد نشأت روما لتتحول من مدينة صغيرة على نهر التايبر الى امبراطورية تمتد من الجزيرة البريطانية غربا الى العراق شرقا...
-
ان كلمة فلسفة ( philosophy ) ذات أصل يوناني فهي ( فيلو ) و ( سوفيا ) و تعني محبة الحكمة ، أما تعريف الفلسفة فهنالك تعريفات كثيرة للفلسفة ب...