Wednesday 23 October 2019

علم النفس الاجتماعي الجزء 1

من المعروف أن علم النفس يهتم عادة بدراسة النفسية الفردية و مشاكلها في فترة الطفولة و المراهقة خاصة ، فعلم التحليل النفسي الذي أسسه سيغموند فرويد (1939-1856) قائم على استبطان الذات الفردية لا الجماعية اي أنه يدرس نفسية الافراد لا نفسية الجماهير ، حيث أن الذي يدرس نفسية الجماهير هو علم النفس الاجتماعي . إن مؤسس هذا العلم هو العالم الفرنسي جوستاف لوبون (1931-1841) حيث نشر كتابه الشهير (سايكلوجيا الجماهير ) (psychology of crowds) عام 1895 درس فيه سلوك الجماعات في المجتمع و ليس الأفراد . نقصد بالجماهير (الجماعات) الفئات الاجتماعية أو الطبقات أو الأقليات أو الطوائف الدينية . و الحقيقة أن هنالك تكاملا بين العلمين علم النفس الفردي و علم النفس الاجتماعي لا تناقضا ، إذ من المستحيل عزل السلوك الفردي عن الوسط الجماعي ، كما أن من غير الدقيق أن نحرم الذات الفردية من نوايها الخاصة و مشاعرها الذاتية فكلا الجانبين في  حالة تصادم و تنافر .
وهنا سنعرض لبعض آراء جوستاف لوبون في كتابه سايكلوجيا الجماهير .
الخصائص العامة للجماهير : 
إن كلمة جمهور تعني في معناها العادي تجمعا لمجموعة لا على التعيين من الافراد ، أيا تكن هويتهم القومية أو مهنتهم أو جنسهم ، و أيا تكن المصادفة التي جمعتهم .
و لكن مصطلح الجمهور يتخذ معنى آخر مختلفا تماما من وجهة النظر النفسية . فعندما يكون يكون الفرد ضمن حشد من الناس فعندئذ تنطمس الشخصية الواعية للفرد ، وتصبح عواطف و أفكار الافراد المشكلة للجمهور موجهة باتجاه واحد فتتشكل روح جماعية تمتتع بخصائص معينة . و أطلق جوستاف لوبون على هذا التجمع من الناس بالجمهور المنظم .
و لا بد من الاشارة الى أن تجمع عدد من الناس عن طريق المصادفة لا يخلع عليهم صفة الجمهور المنظم ، فألف فرد مجتمعون بالمصادفة في ساحة عامة بدون أي هدف معين لا يشكلون اطلاقا جمهورا نفسيا ، و إنما يجب أن يكون هناك هدف معين من تجمعهم .
إن ذوبان الشخصية الواعية للافراد و توجيه المشاعر و الافكار في اتجاه واحد يشكل الخصيصة الاولى للجمهور ، كما أنه ليس من الضرورة الحضور المتزامن لعديد من الأفراد قي نقطة واحدة ليشكلوا جمهورا ، ذلك أنه يمكن لالاف من الافراد المنفصلين عن بعضهم البعض أن يشكلوا جمهورا تحت تأثير انفعالات معينة كحدث قومي أو وطني أو ديني . 
إن أهم ميزة كما قلنا للجماهير أن الافراد المنضوون تحتها تذوب شخصيتهم الواعية و يصبحون يفكرون بعقل الجماعة أي أنهم يتعرضون لأشبه ما يكون بالتنويم المغناطيسي الذي يمكن أن نسميه بالتنويم الاجتماعي ، فنرى أن فردا معينا قد يكون مسالما هادئا عندما يكون منعزلا أي غير منضوي تحت جمهور معين و لكنه ما إن يصبح ضمن جمهور معين كالثوار أو الجيش مثلا نراه يرتكب أبشع الجرائم ، و الظاهرة التي تدهشنا أكثر في الجمهور النفسي هي أن أيا ما تكن نوعية الافراد الذين يشكلونه و أيا ما تكن ما يكن نمط حياتهم متشابها أو مختلفا و كذلك اهتمامهم و مزاجهم أو ذكائهم ، فإن مجرد تحولهم الى جمهور يزودهم بنوع من الروح الجماعية ، وهذه الروح تجعلهم يفكرون و يتحركون بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التى سيفكر و يتحرك بها كل فرد فيما لو كان معزولا . أي انهم يشبهون خلايا الجسد الحي التي تشكل كائنا جديدا يتحلى بخصائص جديدة مختلفة كليا عن الخصائص التي تمتلكها كل خلية فيما لو كانت منفردة . كما أن الفروقات بين الافراد عندما يكونون منتمين لنفس الجمهور تكاد تختفي و تنعدم ، فمثلا يمكن أن توجد فجوة سحيقة بين عالم رياضيات شهير و صانع الأحذية على المستوى الفكري و لكن عندما ينتميان الى نفس الجمهور فأن هذه الفروقات تصبح ضعيفة جدا أو تكاد تنعدم . هذا هو السبب الذي يجعل الجماهير لا تستطيع انجاز الاعمال التي تتطلب ذكاءا عاليا ، فالقرارات المتخذة من قبل جمعية متميزة من البشر في موضوع معين ليست متفوقة كثيرا على القرارات التي يتخذها مجموعة من البلهاء . فالفرد مهما يكن متميزا بذكاء عالي فهو عندما ينتمي لتجمع معين من الناس يتلاشى ذكائه و يختفي و من هنا أهمية العزلة .

No comments:

Post a Comment