Thursday 30 April 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 12

نكمل في سلسلة المقالات التي تتكلم عن العوامل البعيدة المؤثرة في اراء الجماعات و معتقداتها . حيث تكلمنا في المقالة السابقة عن التقاليد و سنتكلم في هذه المقالة عن الزمان . من اهم العوامل التي يبحث فيها في علم الاجتماع هو الزمان ، فهو الموجد الحقيقي الوحيد و هو الهادم القوي الوحيد . هو الذي كون الجبال من حبيبات الرمال و رفع الخلية الحقيرة التي اشتملت على اصل الوجود النوعي الى مقام الانسان ، و كل ظاهرة و كل حادثة لا تتغير و لا تتحول الا بالزمان . و لقد اصاب من قال أن النملة اذا امتد امامها الزمن فبوسعها أن تجعل الجبل الرفيع مهادا ، و لو أن موجودا تمكن من تصريف الزمان كما يشاء لكان صاحب القوة التي يعترف بها المؤمنون للواحد الديان . بحثنا هنا قاصر على تأثير الزمان في آراء الجماعات و معتقداتها ، و هو فيها له كذلك الاثر العظيم ، فهو القاهر فوق اكبر المؤثرات الاخرى من التي لا تكون بدونه كالشعب و غيره و هو الذي يولد المعتقدات فينميها ثم يميتها ، و منه تستمد قوتها و بفعله يتولاها الضعف و الانحلال . و الزمان هو بالاخص محضر آراء الجماعات أو قل هو مهيئ التربة التي نبتت فيها . و لذلك صح وجود بعض الافكار في زمن و امتنع وجودها في زمن آخر . فالزمان هو الذي يهيئ قيام الاراء و المذاهب في العصور المتتابعة ، لانها لا تنبت صدفة و لا توجد اتفاقا ، بل إن لكل واحد منها جذورا تمتد في زمن بعيد ، فإذا انبثقت فإنما الزمان هو الذي هيأ تفتح ازهارها ، و اذا أردت أن تعرف كنهها فارجع الى ماضيها . هي بنات الماضي و امهات المستقبل . نتج من هذا ان الزمان هو صاحب السيادة الحقيقية فينا ، و ما علينا الا ان نتركه يعمل لنرى كل شئ يتحول و يتبدل . 

No comments:

Post a Comment