Saturday 25 April 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 3

ان سرعة تصديق الجماعة ليس هو السبب الوحيد في اختراع الاقاصيص التي تنتشر بسرعة بين الناس بل لذلك سبب اخر و هو التشويه الذي يعتور القصة في مخيلة المجتمعين ، اذ تكون القصة الواقعية بسيطة للغاية فتنقلب صورتها في خيال الجماعة بلا ابطاء لان الجماعة تفكر بواسطة التخيلات و كل تخيل يجر  الى تخيلات ليس بينه و بينها أدنى علاقة معقولة . و لقد كان يجب أن يتعدد صور التشويش التي تدخلها الجماعة على حادثة معينة شاهدتها و ذلك لتنوع أمزجة الافراد التي تتكون عنها هذه الصور متباينة بالضرورة ، لكن المشاهد غير ذلك حيث ان اول تشويش و تخيل شاهده احد افراد الجماعة ينتقل الى باقي الافراد بالعدوى النفسية . فلنفسر ما هي العدوى النفسية بمثال ، و لنبدأ برواية واقعية من أظهر الادلة في موضوع العدوى النفسية رواها ربان السفينة جوليان فيليكس في كتابه الذي الفه في مجاري مياه البحر قال: كانت المدرعة ( لابيل بول ) تبحث في البحر عن الباخرة (بيرسو) حيث كانت قد انفصلت عنها بفعل عاصفة شديدة ، و كان النهار و الشمس صافية ، و بينما هي سائرة اذا بالرائد يشير الى زورق يساوره الغرق فشخص رجال السفينة بأبصارهم الى الجهة التي أشار اليها الرائد فرأو جميعا من عساكر و ضباط الزورق الذي يغرق جليا واضحا و سمعوا ضجيج الناس يصرخون و يصيحون طالبين النجدة ، في الحقيقة كان كل ذلك خيالا ، حيث لما اقتربوا منهم وجدوا مجموعة من أغصان الاشجار مغطاة بأوراق قطعت من الشاطئ القريب ، فتجلت الحقيقة و غاب الخيال هذا يبين لنا تأثير العدوى النفسية ضمن المجموعة حيث أن انبعاث فكرة من وحي خيال احد افراد المجموعة ينتقل الى جميع افراد المجوعة عن طريق العدوى النفسية . كما أن ليس من الضروري أن تتكون المجموعة من عدد كبير من الناس حتى تنعدم فيهم حاسة ابصار الاشياء على حقيقيتها ، و تبدل الحقائق الى خيالات لا ارتباط معقولا بينها ، بل انه متى ما اجتمع عدد من الافراد تألفت منهم جماعة حتى و ان كانت هذه الجماعة متألفة من اكابر العلماء ، ففي الحال تنطفئ ملكة التمييز و النقد في كل واحد منهم . 

No comments:

Post a Comment