Sunday, 26 April 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 4

نكمل في صفات الجماعات و نتناول الصفة الثالثة لهم و هي غلو المشاعر و بساطتها سواء أ كانت طيبة أو رديئة و من هذه الجهة انعدام الفرق بين الفرد مجتمعا و الكائن البدائي ، و مما يزيد في غلو مشاعر الجماعة ان كل احساس يتولد ينتشر بسرعة بفعل العدوى النفسية التي تكلمنا عنها سابقا و اجماع الكل على قبول ذلك الاحساس يزيد في قوته كثيرا مهما يكن بسيطا و ساذجا . غلو المشاعر و بساطتها يجعلانها لا تعرف الشك و التردد فهي كالنساء تذهب الى الحد الاقصى تماما و الشبهة مهما تكن تنقلب الى شئ بديهي لا يقبل الشك ، و الرجل المنفرد عندما ينفر من شئ معين لا يتعدى نفوره عدم الرغبة فيه اما الفرد الذي في جماعة فيتحول نفوره الى حقد شديد . و تزداد شدة المشاعر غلوا على الاخص في الجماعة المؤلفة من افراد غير متشابهين لفقدان تبعة الاعمال من بينهم ، فيتولد عندها من المشاعر و تأتي من الاعمال ما يستحيل صدوره عن الفرد الواحد لتحقق كل من عدم وقوعه في العقاب . و كلما كان العدد كبيرا قوي فيه هذا الاعتقاد و شعر بقوة حاضرة عظيمة ، هناك ينسى الجبان و الجاهل و الحسود درجة انحطاطهم و ضعفهم و يحل محلها خيال قوة وحشية و قتية و لكنها هائلة . و من نكد الطالع أن غلو مشاعر الجماعات يظهر غالبا في الشر ، و تلك مما ورث أهل هذا الزمان عن ابائهم البدائيين و هي مشاعر يرد جماحها الرجل المنفرد مسوقا بعامل الخوف من العقاب  و هذا هو السبب في سهولة انقياد الجماعة الى أقبح درجات التطرف ، و مع ذلك فممكن للجماعة ان تقوم بأكرم الاعمال و الفضائل اذا حسن التأثير فيها .و كما أن الجماعة تغالي في مشاعرها فلا يؤثر فيها الا المشاعر المغالى فيها ، فالخطيب الذي يريد ان يجتذب قلوب الجماهير يلزمه كثير من التوكيدات الحادة لأن المبالغة و التوكيد و التكرار و عدم التعرض الى اقامة البرهان و الدليل على اي قضية كلها وسائل يعرفها الخطباء حق المعرفة . فعلى الخطيب الذي يريد ان يؤثر في جمهوره ان يكثر من المبالغة و التوكيد و التكرار و ان لا يعتمد على البرهان العقلي لان العقل لا يؤثر في الجماعات و لو قليلا كما قلنا سلفا . 

No comments:

Post a Comment