Monday 27 April 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 5

نكمل في صفات الجماعات و نتناول الصفة الخامسة و هي عدم مسالمة الجماعات و ميلها الى التسلط و الامرة و المحافظة على القديم ، حيث ان الجماعات لا تعرف من المشاعر الا ما كان متطرفا و هي بذلك إما ان تقبل الاراء و الافكار بجملتها او ان ترفضها جملة كذلك فليس عندها توسط . الامرة و عدم الاحتمال حاستان من الحواس التي تجيد الجماعة معرفتها ، فهي تدركهما بسهولة و تتلقاهما بسهولة و تعمل على مقتضاها بسهولة عند الطلب ، وهي تحترم القوة و تخنع لها و لا تتأثر بالحسنى الا قليلا لانها في تصورها صورة من صور الضعف ليس الا ، لذلك الجماعات لا تفضل الرؤساء الذين يتصفون بالرفق و اللين بل تفضل الطغاة المستبدين ، لمثل هؤلاء تقيم الجماعات التماثيل في كل عصر و أوان . الجماعة على استعداد دائم للإنتفاض على القائد اذا ضعف و هي تحني الرأس امام الوازع المنيع فإن تناوبه ضعف عاملته بمقتضى مشاعرها المتطرفة فتنتقل من الخنوع الى الفوضى . و لقد يخطئ القائل بأن الروح السائدة على الجماعات هي الثورة و الذي يوجب الشبهة هو قسوتها و عنفها ، و الحقيقة أن انفجار هائل للثورة و صدور اعمال تخريب عنها بنزعة عرضية تخمد سريعا لأن خضوعها لفعل الوراثة شديد بقوة تأثير الغرائز الفطرية ، فهي ميالة كل الميل الى المحافظة على الحال التي هي عليها . و من الصعب أن نفهم التاريخ و لا سيما تاريخ ثورة الامم اذا لم نكن على علم تام بتأصل المحافظة في نفوس الجماعات ، فقد تبغي الجماعة ان تغير استبدال اسماء انظمتها و قد تثور الثورة العنيفة في سبيل ذلك التغيير و لكن هذه الانظمة تبقى كما هي و الذي يتغير في الحقيقة هي الاسماء فقط ، فهي تعود دائما الى ما تلقته من الاباء و الاجداد ، فهي ترجع اليه على الدوام . و أما تقلباتها المستمرة فهي لا تتعلق الا بالمسائل العرضية اما الجوهر لا يتغير ، فالحاصل ان الجماعات محافظة يبلغ احترامها للتقاليد حد العبادة و تبغض اشد البغض بفطرتها كل ما هو جديد ، و لو أن سلطة الديمقراطية بلغت ايام اختراع الصنائع الميكانيكية و اكتشاف البخار و السكك الحديدية ما بلغته الان لاستحال تحقيق هذه المخترعات او لكان ثمنها كثير من الثورات و ازهاق ملايين الانفس . فمن حسن حظ الحضارة أن سلطة الجماعات ما بدأت في الظهور الا بعد أن تم تحقيق هذه الاكتشافات العظيمة العلمية و الصناعية .

No comments:

Post a Comment