تناولنا في المقالة السابقة افكار الجماعات ، وفي هذه المقاله سوف نتناول تعقل الجماعات ، لا يمكن القول مطلقا بان الجماعات لا تعقل ولا تتاثر بالمعقول غير ان طبقة الادلة التي تقيمها هي تاييدا لامر من الامور او التي تؤثر عليها منحطة جدا من الجهه المنطقيه فلا فلا يصدق عليها اسم الدليل الا من باب التشبيه . وتلك الادله المنحطه مبينه على قاعده الاساس كالادله الراقية . الا ان رابطه الافكار التي تقرنها الجماعات ببعضها من حيث المشابهه او التلازم ظاهريه لا حقيقيه ، فهي تتسلسل عندها كما تتسلسل الادله في ذهن الرجل الاسكيماوي الذي عرف بالتجربه ان الثلج هو جسم شفاف يذوب في الفم ، فاستنتج من ذلك ان الزجاج و هو شفاف ايضا يجب ان يذوب في الفم او كالمتوحش الذي يتصور ان اكل قلب العدو الشجاع ينقل شجاعته الى الآكل او كالاجير الذي هضم المعلم حقه فقال ان جميع المعلمين هضامون للحقوق . والحاصل ان تعقل الجماعات عباره عن الجمع بين اشياء متخالفه لا رابط بينها الا الظاهر ، والانتقال الفجائي من الجزء الى الكل ومن التخصيص والتعميم بلا ترو ،و الادله التي يقدمها اليها اولائك الذين عرفوا كيفيه قيادتها كلها من هذا الطراز لانها هي الادله التي تؤثر فيها بخلاف سلسله من الادله المنطقيه فانها لا تدركها بحال .لذلك صح القول بانها لا تعقل او هي تعقل خطأ لانها لا تتأثر بالمعقول . وكثيرا ما يعجب الانسان عند مطالعه بعض الخطب من التاثير العظيم الذي احدثته في سامعيها على ما بها من الضعف و الركاكة . وكأني بالمتعجب و قد نسي ان تلك الخطب انما صيغت لكي تؤثر في الجموع لا ليقراها العلماء . الخطيب الخبير باحوال جماعته يعرف طريقه استحضار الصور التي تجذب بها ، فاذا نجح فذلك ما اراد و لو القيت خطب في عشرين مجلد بعد ذلك ما كان لها من التأثير ما أحدثته تلك الكليمات التي دخلت في الرؤوس المراد اقناعها . وغني عن البيان ان عدم قدره الجماعات على التعقل الصحيح يذهب منها بملكة النقد اي يجعلها غير قادره على تمييز الخطا من الصواب ، وان تحكم حكما صحيحا في امر ما . اما الافكار التي تقبلها هي فهي التي تلقى اليها لا التي يناقش فيها . و الذين لا فرق بينهم وبين الجماعات في هذا الباب كثيرون ، و سهوله انتشار بعض الافكار و صيرورتها عامة ات على الاخص من عدم قدره السواد الاعظم على اكتساب الراي عن طريق النظر الذاتي .
No comments:
Post a Comment