Friday 25 October 2019

علم النفس الاجتماعي الجزء 3

بعد ان تحدثنا بشكل عام جدا عن الخصائص الأساسية للجماهير ، سوف نتحدث الان عنها بالتفصيل مثل سرعة الانفعال و النزق و العجز عن المحاكمة العقلية و انعدام الرأي الشخصي و الروح النقدية و المبالغة في العواطف و المشاعر و غيرها .
سرعة انفعال الجماهير و خفتها و نزقها :
إن الجمهور يمثل لعبة واقعة تحت تأثير المحرضات الخارجية و بالتالي فهو عبد للتحريضات التي يتلقاها . و الفرد المعزول يمكنه أن يخضع لنفس المحرضات المثيرة كالانسان المنخرط في جمهور و لكن عقله يتدخل و يبين له مساوئ الانصياع لها و بالتالي لا ينصاع فيمكننا القول أن الفرد يمتلك الأهلية و الكفاءة للسيطرة على ردود أفعاله هذا في حين أن الجمهور لا يمتلكها . إن الانفعالات التحريضية المختلفة التي تخضع لها الجماهير يمكنها أن تكون كريمة أو مجرمة بطولية أو جبانة بحسب نوعية هذه المحرضات . ولكنها تبقى دائما قوية و مهيمنة على نفوس الجماهير إلى درجة أن غريزة حب البقاء نفسها تزول أمامها (بمعنى أنها مستعدة للموت من أجلها) .
كما أن لاشئ متعمد أو مدروس لدى الجماهير فهي تستطيع أن تعيش جميع أنواع العواطف و تنتقل من النقيض الى النقيض بسرعة البرق و ذلك تحت تأثير المحرض السائد في اللحظة التي تعيشها فيمكن للجمهور بسهولة أن يكون جلادا و بنفس السهولة يمكنه أن يكون ضحية أو شهيدا فمن أعماقه سالت جداول الدم الغزيرة الضرورية لانتصار أي عقيدة أو إيمان و الدليل على ذلك أن جنرالا في الجيش الفرنسي أصبح شعبيا فيما بعد و استطاع أن يسوق معه مئة ألف شخص مستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل قضيته (نابليون بونابرت) .
و لكن الجمهور ليس انفعاليا و متقلبا فقط . وإنما هو كالانسان الهمجي لا يعبأ بأي عقبة تقف بين رغبته و بين تحقيق هذه الرغبة . نقول ذلك خصوصا أن عدده الكبير يشعر بامتلاك قوة لا تقاوم . فمفهوم المستحيل لا معنى له بالنسبة للفرد المنخرط في الجمهور . فالإنسان المعزول يعرف جيدا أنه لا يستطيع أن يحرق قصرا أو أن ينهب مخزنا ، و لكنه ما إن ينخرك في الجمهور حتى يحس بالقوة الناتجة عن العدد والكثرة ، و في أية فرصة تسنح له للقتل أو النهب فإنه ينصاع فورا و لا يتردد في اقتراف ذلك . و كل عقبة تقف في طريقه يكسرها بجنون مسعور .

Wednesday 23 October 2019

علم النفس الاجتماعي الجزء 2

ان الفرد المنضوي منذ بعض الوقت في وسط جمهور هائج سرعان ما يسقط في حالة خاصة تشبه كثيرا حالة الانجذاب الشديد الذي يشعر به المنوم مغناطيسيا تجاه منومه ، و بما أن حياة الدماغ تصبح مشلولة لدى الانسان المنوم مغناطيسيا ، فإنه يصبح عبدا لكل فعالياته اللاواعية ، و يصبح منومه قادرا على توجيهه حيث يشاء و هكذا تصبح الشخصية الواعية مغميا عليها ، و تصبح ارادة التمييز و الفهم ملغاة ، إن هذا الذي يحصل عند المنوم مغناطيسيا هو نفسه الذي يحصل للفرد المنخرط في جمهور ، فهذا الفرد لايعود واعيا بأعماله و يخضع لتأثير و إيحاء الجمهور ، فتكون حالته أشبه بحالة المنوم مغناطيسيا بمعنى أن بعض ملكاته تصبح مدمرة ، في حين أن بعضها تصبح مستنفرة إلى أقصى حد ، فينجرف مع آراء الجماعة و لا يعود له رأيه الخاص و هكذا لا يعود هو الفرد نفسه ، وإنما يصبح عبارة عن إنسان آلي تسيره أفكار الجماعة حيث شاءت . فالفرد عندما يكون معزولا ربما يكون انسانا مثقفا متعقلا و لكنه ما إن ينضم الى جماعة معينة حتى يصبح مسيرا من قبل تلك الجماعة . على هذا النحو يمكننا أن نفهم كيف أن هيئات التحكيم الجماعية تصدر أحكاما كان يمكن لكل عضو مكون لها أن يدينها فيما لو كان معزولا ، و نفهم كيف أن المجالس البرلمانية تتبنى قوانين كان ليرفضها كل عضو على حدة ، و إذا ما نظرنا الى أعضاء الجمعية التأسيسية بعد الثورة الفرنسية وجدنا أنهم كانوا برجوازيين هادئين ذوي عادات مسالمة . و لكنهم عندما اندمجوا بالجمهور ( الثوار الفرنسيين ) أصبحوا هائجين متحمسين . و لم يترددوا تحت تأثير بعض المشاغبين في أن يرسلوا الى المقصلة الأشخاص الأكثر براءة كما حصل مع لافوازييه العالم الكيميائي الشهير الذي أعدم على يد الثورة الفرنسية بتهمة كاذبة و من دون محاكمة . 
لنلخص كل الملاحظات السابقة قائلين بأن الجمهور هو دائما أدنى مرتبة من الانسان المفرد فيما يخص الناحية العقلية والفكرية . و لكن من وجهة نظر العواطف و الأعمال التي تثيرها هذه العواطف فمن الممكن ان تسير نحو الأفضل أو نحو الأسوء . و هذه هي النقطة التي جهلها الكتاب الذين لم يدرسوا الجماهير من وجهة النظر الجرائمية . صحيح أن الجماهير في الغالب تكون مجرمة ، ولكنها غالبا بطلة . فمن السهل اقتيادهم الى المذبحة و القتل باسم النضال من أجل انتصار عقيدة إيمانية أو فكرة ما . و من السهل تحريكهم و بث الحماسة في مفاصلهم من أجل الدفاع عن المجد و الشرف و بالإمكان تجييشهم و اقتيادهم لخوض الحروب و المجازر كما حصل في الحروب الصليبية من أجل تخليص قبر المسيح من أيدي المسلمين أو كما حصل في حروب نابليون بعد الثورة الفرنسية أو كما حصل في حروب هتلر في المانيا النازية، صحيح أنها بطولات لا واعية الى حد ما و لكن التاريخ لا يصنع إلا من قبل بطولات كهذه . و أن التاريخ لا يذكر صناع السلام و الأعمال التي أنجزت بكل برودة أعصاب و عقلانية هادئة و إنما يذكر الحروب الضارية التي ذهب ضحيتها الملايين .

علم النفس الاجتماعي الجزء 1

من المعروف أن علم النفس يهتم عادة بدراسة النفسية الفردية و مشاكلها في فترة الطفولة و المراهقة خاصة ، فعلم التحليل النفسي الذي أسسه سيغموند فرويد (1939-1856) قائم على استبطان الذات الفردية لا الجماعية اي أنه يدرس نفسية الافراد لا نفسية الجماهير ، حيث أن الذي يدرس نفسية الجماهير هو علم النفس الاجتماعي . إن مؤسس هذا العلم هو العالم الفرنسي جوستاف لوبون (1931-1841) حيث نشر كتابه الشهير (سايكلوجيا الجماهير ) (psychology of crowds) عام 1895 درس فيه سلوك الجماعات في المجتمع و ليس الأفراد . نقصد بالجماهير (الجماعات) الفئات الاجتماعية أو الطبقات أو الأقليات أو الطوائف الدينية . و الحقيقة أن هنالك تكاملا بين العلمين علم النفس الفردي و علم النفس الاجتماعي لا تناقضا ، إذ من المستحيل عزل السلوك الفردي عن الوسط الجماعي ، كما أن من غير الدقيق أن نحرم الذات الفردية من نوايها الخاصة و مشاعرها الذاتية فكلا الجانبين في  حالة تصادم و تنافر .
وهنا سنعرض لبعض آراء جوستاف لوبون في كتابه سايكلوجيا الجماهير .
الخصائص العامة للجماهير : 
إن كلمة جمهور تعني في معناها العادي تجمعا لمجموعة لا على التعيين من الافراد ، أيا تكن هويتهم القومية أو مهنتهم أو جنسهم ، و أيا تكن المصادفة التي جمعتهم .
و لكن مصطلح الجمهور يتخذ معنى آخر مختلفا تماما من وجهة النظر النفسية . فعندما يكون يكون الفرد ضمن حشد من الناس فعندئذ تنطمس الشخصية الواعية للفرد ، وتصبح عواطف و أفكار الافراد المشكلة للجمهور موجهة باتجاه واحد فتتشكل روح جماعية تمتتع بخصائص معينة . و أطلق جوستاف لوبون على هذا التجمع من الناس بالجمهور المنظم .
و لا بد من الاشارة الى أن تجمع عدد من الناس عن طريق المصادفة لا يخلع عليهم صفة الجمهور المنظم ، فألف فرد مجتمعون بالمصادفة في ساحة عامة بدون أي هدف معين لا يشكلون اطلاقا جمهورا نفسيا ، و إنما يجب أن يكون هناك هدف معين من تجمعهم .
إن ذوبان الشخصية الواعية للافراد و توجيه المشاعر و الافكار في اتجاه واحد يشكل الخصيصة الاولى للجمهور ، كما أنه ليس من الضرورة الحضور المتزامن لعديد من الأفراد قي نقطة واحدة ليشكلوا جمهورا ، ذلك أنه يمكن لالاف من الافراد المنفصلين عن بعضهم البعض أن يشكلوا جمهورا تحت تأثير انفعالات معينة كحدث قومي أو وطني أو ديني . 
إن أهم ميزة كما قلنا للجماهير أن الافراد المنضوون تحتها تذوب شخصيتهم الواعية و يصبحون يفكرون بعقل الجماعة أي أنهم يتعرضون لأشبه ما يكون بالتنويم المغناطيسي الذي يمكن أن نسميه بالتنويم الاجتماعي ، فنرى أن فردا معينا قد يكون مسالما هادئا عندما يكون منعزلا أي غير منضوي تحت جمهور معين و لكنه ما إن يصبح ضمن جمهور معين كالثوار أو الجيش مثلا نراه يرتكب أبشع الجرائم ، و الظاهرة التي تدهشنا أكثر في الجمهور النفسي هي أن أيا ما تكن نوعية الافراد الذين يشكلونه و أيا ما تكن ما يكن نمط حياتهم متشابها أو مختلفا و كذلك اهتمامهم و مزاجهم أو ذكائهم ، فإن مجرد تحولهم الى جمهور يزودهم بنوع من الروح الجماعية ، وهذه الروح تجعلهم يفكرون و يتحركون بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التى سيفكر و يتحرك بها كل فرد فيما لو كان معزولا . أي انهم يشبهون خلايا الجسد الحي التي تشكل كائنا جديدا يتحلى بخصائص جديدة مختلفة كليا عن الخصائص التي تمتلكها كل خلية فيما لو كانت منفردة . كما أن الفروقات بين الافراد عندما يكونون منتمين لنفس الجمهور تكاد تختفي و تنعدم ، فمثلا يمكن أن توجد فجوة سحيقة بين عالم رياضيات شهير و صانع الأحذية على المستوى الفكري و لكن عندما ينتميان الى نفس الجمهور فأن هذه الفروقات تصبح ضعيفة جدا أو تكاد تنعدم . هذا هو السبب الذي يجعل الجماهير لا تستطيع انجاز الاعمال التي تتطلب ذكاءا عاليا ، فالقرارات المتخذة من قبل جمعية متميزة من البشر في موضوع معين ليست متفوقة كثيرا على القرارات التي يتخذها مجموعة من البلهاء . فالفرد مهما يكن متميزا بذكاء عالي فهو عندما ينتمي لتجمع معين من الناس يتلاشى ذكائه و يختفي و من هنا أهمية العزلة .

Thursday 26 September 2019

خصائص التفكير العامي ، و الفلسفي ، و العلمي

هناك اساليب مختلفة للتفكير ، فالإنسان العامي له أساليبه في التعبير عن معارفه و التي تتضمن ( الأساطير و الخرافات ) و عدم معرفة التجارب العلمية و التحقق منها ... و هناك صفات للتفكير لدى الفلاسفة فإنهم يستخدمون قدراتهم العقلية و ما أفادوه من حقائق العلم ، أما أساليب التفكير العلمي فهي تعتمد على ( المنهج العلمي التجريبي ) أو الطرائق المعروفة للوصول الى صياغة القوانين العلمية . 
خصائص التفكير العامي 
1- المبالغة : صفة من صفات الرجل العامي يعبر بها عن الحوادث بطريقة مبالغ فيها ، قد تكون مختلفة تماما لما حدث فعلا ، إذن إن أول ما تتصف به المعرفة العامية هو عدم الدقة التي ينشدها العالم أو الفيلسوف
2- التعميم الخاطئ : إن الفرد غير العلمي يعمم في أحكامه نتيجة حادثة أو حادثتين ، دون الاعتماد على الحقائق و الواقع كأن يقول أن التدخين غير مضر بالصحة فقط لأنه رأى شخص أو شخصين مدخنين  عاشا لفترة طويلة دون أن يصابا بأي أمراض دون الاعتماد على إحصائيات دقيقة  
3- الذاتية المسرفة : إن آراء الفرد العامي تعتمد على الذات أو العاطفة أو بما يرضي مزاجه الشخصي و لا تعتمد أفكاره على الموضوعية في الحكم على الأشياء أو الظواهر
4- الربط الخاطئ بين الظواهر : مثلا ، ينسب الشخص العامي (المرض) الى الأرواح الشريرة ، أو يفسر حادثة موت شخص ما بظاهرة نعيق البوم في حين لا توجد رابطة أو علاقة بين الظاهرتين مطلقا ، إن هذا النوع من التفكير ينسب الاحداث الى علل أو أسباب غيبية لا يمكن التثبت منها بالتجربة الحسية ، كما نسبوا كسوف الشمس وخسوف القمر الى حوت خرافي يبتلعهما أو غيرها من العلل الوهمية الغيبية . 
خصائص التفكير الفلسفي
1- الشك : من الخطوات الأساسية للمعرفة الحقة ، و المقصود هنا الشك من أجل الوصول الى الحقيقة و عدم التسليم بكل ما يقال إلا بعد التأكد منه .
2- الاستقلال : إن الفيلسوف يستخدم عقله في معرفة الأشياء ، و لايعتمد في تفكيره على إجماع الناس .. لأنه قد يجمع الناس على الاعتقاد ببعض الخرافات و الأساطير .
3- المرونة : و تعني أن الفيلسوف يكون قادرا و مستعدا للتخلي عن آرائه إذا ثبت عدم صحتها .. و هذا يدل على الروح العلمية الصادقة .
4- التجرد عن العاطفة : يجب عدم إدخال العاطفة في الموضوعات التي يتم البحث فيها - أي إبعاد التأثيرات الانفعالية عن التفكير . يقول أرسطو " إني أحب أفلاطون و أحب الحق و لكن حبي للحق أعظم " .
خصائص التفكير العلمي 
1- الشك المنهجي : إن العالم لا بد أن يتخلص من الأفكار الموروثة الخاطئة التي تفسد البحث العلمي و تعوق من انطلاقه ، و من خلال الشك المنهجي يستطيع أن يتخلص من قيود الأفكار الموروثة الفاسدة و أعبائها
2- الموضوعية : تعني الموضوعية أن يقوم الباحث بالبحث في ظاهرة ما دون تدخل ذاته أو عواطفه و يتعامل مع موضوع دراسته كما هو في الواقع ، لا كما يتمنى أو يرغب ، فالعلم يصف الأشياء و تقريرها كما هي .
3- التكميم : أي تحويل الكيفيات الى كمية و مقدار ، فمثلا ، إذا درس الباحث ( الصوت ) رده الى ( ذبذبات ) ، و إذا درس (الحرارة )ردها الى ( موجات حرارية ) ، و إذا درس ( الضوء ) رده الى ( موجات ضوئية )
4- التعميم : يقصد بهذا المبدأ أن الباحث يقوم بإحصاء عدد من الظواهر و تعميمها ، فمثلا نحن نقول : جميع المعادن تتمدد بالحرارة على الرغم من أننا لم نجرب كل المعادن الموجودة في الطبيعة و إنما جربنا كمية محدود منها و هذا ما يسمى ب(الاستقراء) و هو يفيدنا في التنبؤ بوقوع الحوادث مسبقا 
5- التجربة : إن العالم الذي يدرس ظواهر الطبيعة الواقعية لا يستمد حقائقه إلا من التجربة الحسية ، و العلم يتناول البحث في الظواهر الجزئية الظاهرة للحواس ، و بمنهجه الاستقرائي ترتبط الوقائع أو الظواهر بعلاقات علية ( سببية ) .
6- التحقق : يعني التأكد من صحة النتائج التي يتم التوصل إليها عن طريق إعادة اختبارها ، و ذلك بالرجوع الى التجربة في الواقع ، فمثلا ، إذا وجد فايروس يؤدي الى الإصابة بالانفلاونزا فأننا نستطيع التحقق من ذلك عن طريق التجارب التي يجريها العلماء على  بعض الأشخاص أو الحيوانات ، فإذا انتقل المرض إليهم معنى ذلك تحققنا من صحة النتائج .

العلاقة بين الفلسفة و العلم

العلاقة بين الفلسفة و العلم قديمة منذ نشوء الفلسفة اليونانية ، فهذا طاليس كان فيلسوفا و عالما ( عالما بالمعنى القديم لكلمة علم ، حيث افترص أن أصل العالم من ماء ) و فيثاغورس كان رياضيا و فيلسوفا و كان أفلاطون يطلب دراسة الرياضيات فضلا عن الفلسفة ، فقد كتب على باب أكاديميته " لايدخل علينا إلا من كان رياضيا " و كان أرسطو له مؤلفات في الحيوان و النبات و الطب كما و يعتبر أرسطو مؤسس علم الأجنة الوصفي ( Descriptive Embryology ) . و ظل هذا الارتباط في العصر الوسيط بين الفلسفة و العلم فالكندي كان فيلسوفا و عالما اهتم بالرياضيات و الطبيعة و ابن سينا كان فيلسوفا و طبيبا اشتهر بكتابه ( القانون في الطب ) . إلا أن هذه العلاقة بين الفلسفة و العلم في العصر الحديث بدأت تتصدع و أخذت العلوم بالانفصال عن الفلسفة تدريجيا و لا سيما بعد ظهور فرانسيس بيكون (1626-1561) الفيلسوف الانجليزي أحد أهم أعمدة الثورة العلمية في أوروبا من خلال فلسفته القائمة على الملاحظة والتجريب و الذي انتبه الى انعدام جدوى المنطق الارسطي القائم على الاستنباط و القياس ، فظهر التيار التجريبي و بقوة ، فاستقلت الفيزياء أولا في القرن السابع عشر على يد نيكولاس كوبرنيكوس (1543-1473) و يوهانس كيبلر (1630-1571) و غاليلو غاليلي (1642-1571) و إسحاق نيوتن (1727-1642) لأنهم رأوا ضرورة الى إسناد أبحاثهم الى الملاحظة التجريبية و انفصلت الكيمياء على يد لافوازيه (1794-1743) في نهاية القرن الثامن عشر و الاحياء على يد تشارلز داروين (1882- 1809) في القرن التاسع عشر و علم الإجتماع على يد اوجست كونت ( 1882-1798) في القرن ذاته . و هكذا بدأت تتحدد معالم تيار تجريبي جديد يفصل العلوم ( الطبيعية ، و الرياضية ) عن امها ( الفلسفة ) و بهذا فإن الرغبة الحقيقية في الفصل بين الفلسفة و العلم ظهرت لدى العلماء في القرن السابع عشر و خاصة على يد الفيلسوف الانجليزي فرانسيس بيكون الذي أثبت عقم منطق أرسطو و انعدام جدواه ، حيث أنه يعتمد فقط على التفكير المجرد و القياس دون الأعتماد على التجربة و الحقائق الواقعية و بذا ابتعدت الفلسفة عن الواقع في كثير من نظرياتها فهي مجرد أفكار مثالية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع . و الحق أن المنهج التجريبي كان هو صاحب الفضل في الثورة العلمية في أوروبا و التقدم العلمي و الصناعي بعد أن قضى على المنطق الأرسطي الذي ظل متربعا على عرش الفكر الاوروبي لما يقارب الألف سنة . إلا أنه في القرن العشرين ظهر بعض المفكرين الذين يدعون الى إعادة الوفاق بين العلم و الفلسفة مرة أخرى لأن انفصال العلم عن الفلسفة يسبب الضرر لكليهما ، فدعى غاستون باشلار (1962-1884) الى الربط بين العلم و الفلسفة في قوله " على الفيلسوف أن يكون على صلة بالتجارب العلمية و أن يهتم العلماء بالمذاهب الفلسفية النقدية ، لأن الانفصال بين الإثنين لن يكون في مصلحة أحدهما .              

Wednesday 25 September 2019

تاريخ الفلسفة ، عصر الفلسفة الهيلينية ، العصور الوسطى المسيحية ، العصور الوسطى الاسلامية ، عصر النهضة

عصر الفلسفة الهيلينية 
سمي هذا العصر بعصر الفلسفة الهيلينية لامتزاج الحضارتين : الرومانية و اليونانية فقد صارت اليونان جزءا من المملكة الرومانية إذ استولى الرومان على ( مقدونيا ) و جميع بلاد اليونان سنة 146BC و انتقل بذلك جزء كبير من الحضارة اليونانية الى الرومانية . في هذه المرحلة انتهت مرحلة البحث المنظم الى مرحلة تحصيل العلوم وسعة الاطلاع اكثر منه عصر بحث و نظر . بعد سقوط اليونان بأيدي الرومان أدى بالبلاد الى تغيير تام في السياسة و العلوم ، فالنظام السياسي للحياة اليونانية أخذ ينهار ، و المبادئ الأخلاقية ضعفت ، و اهتزت الديانة الرومانية ، هكذا بدأ الأنسان اليوناني يبحث في هذه المرحلة عما يهديه في حياته فلجأ الى الفلسفة ، و عد الفلسفة هي الهادي الأمين . وقد غلب البحث في هذه المرحلة على الأخلاق و يتوضح ذلك في أفكار الرواقيين و الابيقوريين اذ كانت أغلب آرائهم تدور حول الأخلاق .
العصور الوسيطة المسيحية 
يسمى هذا العصر عصر الفلسفة المسيحية في أوربا ، إذ سقطت الدولة الرومانية و انهارت حضارتها ، لقد كانت الكنيسة في هذا العصر تضطهد الفلسفة و تعتبرها أفكارا كفرية حيث حددت دائرة الفكر في الديانة و كانت العدو الأول للفلسفة و العلم فأدى ذلك الى ضعف الحياة العلمية و خمودها ، و ما بقي من الفلسفة و العلم في العصور الوسطى فهو يخدم تعاليم النصرانية ، أما ما عدا ذلك فمرفوض رفضا تاما . و ظلت الفلسفة خادمة للدين قرونا عديدة . و كان من اشهر الفلاسفة المسيحيين في هذه المرحلة هو القديس اوغسطين (430-354) و توما الأكويني (1274-1225) . كما يلقب هذا العصر بالعصر المدرسي ، لأن التعليم كان يقوم به الرهبان في مدارس الكنائس ، و قد أنشأ شارلمان (814-742) كثيرا من المدارس في جميع أنحاء فرنسا  فكان مدرسوها من رجال الكنيسة.
العصور الوسيطة الاسلامية 
أما الفسلفة الإسلامية في العصور الوسطى كانت مختلفة عما هي علية في أوربا ، ففي الشرق كان التقدم العلمي و الفلسفي مزدهرا ، و كانت هذه المرحلة تسمى بالعصر الذهبي للتطورات التي كانت تشهدها البلاد الاسلامية حينها .و على الرغم من ذلك فأنها لا تخلو من اضطهاد لهذا العالم أو ذاك الفيلسوف أذا لم تكن أفكارهم تناسب مزاج الخليفة و أتباعه .و لا شك أن مجيء الاسلام 610 احدث تغييرا في طرق الحياة و النظر الى الأشياء بطرق مختلفة ، وعلى هذا فإن البحث العلمي لم ينشأ بالمعنى الواضح أي لم يظهر فلاسفة في عصر الخلافة الراشدة و لا في الدولة الأموية فكان المسلمون يتداولون في الأمور الدينية ،حيث كانت العلوم المعروفة في هذه الفترة هي العلوم الدينية فكانت أبحاثهم تدور حول هل أن الأنسان مخير أم مسير ؟ أو ما يسمى بحرية الإرادة ، و الكلام عن ( مرتكب الكبيرة ) هل هو مؤمن أم كافر ؟ و هل القرآن قديم أم مخلوق ؟ فنشأ ما يسمى ب(علم الكلام) أو (علم العقيدة ) التى كانت أبحاثه تدور حول كلام الله و المواضيع المرتبطة به . و هناك آراء تقول أن علم الكلام يمثل بداية الفلسفة الأسلامية و مقدمة لها في حين يرى آخرون أن علم الكلام لا يخرج عن كون موضاعته تدخل ضمن الفكر الديني فحسب و لا علاقة له بالفلسفة . أما في العصر العباسي فقد توسعت الدولة العباسية و تكونت لها حضارة واسعة و استفادوا من أفكار الفرس و الروم و الهنود و اليونان و علومهم . فنشطت حركة ترجمة العلوم  خاصة اليونانية منها في عصر أبي جعفر المنصور (775-714) و الرشيد (809-766) و المأمون (833-786) ، ففي زمن المأمون تمت الترجمة على يد السريان و لاسيما الفلسفة كالطبيعيات و الالهيات و الأخلاق و السياسة و منها كتب أفلاطون و ارسطو و أفلوطين و غيرهم . و ظهر فلاسفة كثيرون في هذا العصر من أشهرهم الكندي (866 - 801 ) و الفارابي (950 -872) و ابن سينا (1037- 980) و ابن باجة (1138-1080) و ابن طفيل (1185-1106) و ابن رشد (1198-1162)  و أبو حامد الغزالي (1058-1111) و غيرهم .
الفلسفة الحديثة ( عصر النهضة )
في هذه المرحلة ظهرت حركة فكرية و ثقافية في أوربا الغربية في القرن الرابع عشر و كانت موجهة ضد أفكار العصور الوسيطة المدرسية ، و أبتدأت النهضة في بعث العلم . و قضت أوربا قرنين كاملين في ثورتها الفكرية أدت الى ظهور الفلسفة الحديثة في القرن السابع عشر . فجاءت الفلسفة الحديثة رافضة للفلسفة المدرسية ، و دعت الى حرية الفكر و الى الشك و تحكيم العقل و تخلصوا من سلطة رجال الكنسية و الفلسفة الارسطية في آن واحد ووجهو النقد للفلسفة اليونانية القديمة فتوجهوا بالنقد لأمثال افلاطون (427BC-347BC) و أرسطو (384BC- 322BC) و اتجهوا الى البحث العلمي المستند على الملاحظة و الاستقراء . و من أبرز فلاسفة عصر النهضة فرانسيس بيكون (1626-1561) و رينيه ديكارت (1650-1569) و ديفيد هيوم (1776-1711) و جون لوك (1704_1632) و غيرهم .

Sunday 22 September 2019

مقال في الفلسفة ، معنى الفلسفة

ان كلمة فلسفة ( philosophy ) ذات أصل يوناني فهي ( فيلو ) و ( سوفيا ) و تعني محبة الحكمة ، أما تعريف الفلسفة فهنالك تعريفات كثيرة للفلسفة بعدد المدارس الفلسفية لذا لا يمكن تقديم تعريف واحد للفلسفة مانع جامع و لكن من الممكن إعطاء تعريف عام يقرب لنا معنى الفلسفة .
الفلسفة : هي مجموعة أفكار متناسقة منسجمة تعبر عن ايدلوجيا معينة في جوانب مختلفة :اخلاقية ، سياسية ، اقتصادية ، جمالية ... الخ و الايدلوجيا تعني النظام الفكري المجرد لتفسير الطبيعة و المجتمع و الفرد تعد الفلسفة من اقدم العلوم و لكنها على الرغم من ذلك تثير السؤال حولها دائما أنها لا تقدم عطاءا ماديا ملموسا كما تفعل العلوم الطبيعية أو العلوم الأنسانية . و من الواضح ان العلوم الطبيعية تقدم لنا الأكتشافات و الصناعات المختلفة من خلال إقامة القوانين العلمية و تطبيقها في المجال التجريبي . و كذلك العلوم الانسانية كعلم النفس و الاجتماع تقدم اشياء ملموسة ، فعلم النفس مثلا يمكن أن يقدم علاجا للأمراض النفسية و العصبية ، و يصف الدواء كالمهدئات ، و علم الاجتماع هو الآخر يدرس العلاقات بين الأفراد و الجماعات و يعالج المشكلات الاجتماعية كالزواج و الطلاق و السلوك الاجتماعي .
أما الفلسفة فلا تقدم ذلك فليس لها أدوات عملية تطبيقية يستطيع الأنسان أن يلمس منها ذلك بل أنها تقدم الفكر المجرد فقط .
إن النظرة الشاملة تقدمها الفلسفة ، أما العلوم الجزئية كالفيزياء و الكيمياء و علم الارض وهي علوم ليست شاملة و لا تعطي نظرة عامة عن الكون كله بل عن جزء من العالم بينما الفلسفة تأخذ هذه العلوم و تستفيد من معطياتها و تهضمها , فتعطي منها نظرة نحو الوجود كله و من هنا تظهر الاهمية الكبرى للفلسفة في إعطاء نظرة شاملة للعالم كله .
و الفلسفة اذن تعطي الوعي بالأشياء و المجتمع و هي توضح لنا معاني للحرية و الجمال و الاخلاق

ما الباعث على التفلسف 
قال ارسطو (384BC-322BC) الفيلسوف اليوناني "ان الدهشة اول باعث على التفلسف ) فمن قديم الزمان كان الانسان يسأل  و ما زال يحاول حل الالغاز الكونية كالرعد و الامطار و شروق الشمس وغروبها و الزلازل و البراكين و غيرها حيث أن ظروف الانسان في كل زمان و مكان تفرض عليه التفلسف و هناك رغبة عميقة في نفسه لمعرفة العالم الذي يعيش فيه و معرفة أحداثه ، فالفلسفة حب عميق في نفس الانسان لمعرفة خفايا الاشياء و أسبابها .
اذا رجعنا الى طبيعة التفكير العقلي للأنسان لوجدناه يتفلسف بطبيعته اي ان كل انسان فيلسوف بدرجة أو بأخرى لأن كل أنسان لا بد أن يسأل ما أصل هذا العالم ؟ لماذا يعيش الأنسان في هذا العالم و لأجل ماذا ؟ و ما مصير الأنسان بعد الموت ؟

تعريف ارسطو (384BC-322BC) للفلسفة : عرف أرسطو الفلسفة بأنها دراسة الوجود بما هو موجود أو العلم الذي يدرس اسس الوجود و أطلق على هذا العلم بالفلسفة الاولى أو الحكمة الاولى تمييزا لها عن الفلسفة الثانية و هي العلوم الطبيعية
تعريف الفارابي (950-874) للفلسفة : يعرف الفارابي الفلسفة على أنها العلم بالموجودات بما هي موجودة و يرى هدف الفلسفة هو معرفة الحقيقة و عنده الفلسفة الاولى (علم الالهيات)اشرف انواع الفلسفة
تعريف ديكارت (1650-1596) للفلسفة : عرف ديكارت الفلسفة بأنها العلم الكلي الشامل أو هي دراسة الحكمة و تشمل جميع العلوم المختلفة و الفلسفة تستهدف تحقيق سعادة الانسان
تعريف وليم جيمس (1910-1842) للفلسفة : يعد وليم جيمس أحد أعلام الفلسفة البراجماتية (العملية) الذي يرى أن الفكرة الصادقة تعتمد على آثارها أو نتائجها فأن القيمة الحقيقية لأي فكرة تعتمد على نجاحها في الحياة العملية و ما دامت الفلسفة هي أفكار و مبادئ فأن صدقها و صحتها تعتمد عل  النتائج التي يحصل عليها الأنسان أي إن أفكارنا لا تطلب لذاتها و إنما تؤخذ وسائل لتحقيق أغراضنا في الحياة .

Roman history part 10, the second Punic war 6

In the aftermath of capturing Terentum. The city of thory sent to Hanniabl  appealing to him to librate them from the Roman rule. Hannibal s...