Tuesday, 28 April 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 8

تناولنا في المقالة السابقة افكار الجماعات ، وفي هذه المقاله  سوف نتناول تعقل الجماعات ، لا يمكن القول مطلقا بان الجماعات لا تعقل ولا تتاثر بالمعقول غير ان طبقة الادلة التي تقيمها هي تاييدا لامر من الامور او التي تؤثر عليها منحطة جدا من الجهه المنطقيه فلا فلا يصدق عليها اسم الدليل الا من باب التشبيه . وتلك الادله المنحطه مبينه على قاعده الاساس كالادله الراقية . الا ان رابطه الافكار التي تقرنها الجماعات ببعضها من حيث المشابهه او التلازم ظاهريه لا حقيقيه ، فهي تتسلسل عندها كما تتسلسل الادله في ذهن الرجل الاسكيماوي الذي عرف بالتجربه ان الثلج هو جسم شفاف يذوب في الفم ، فاستنتج من ذلك ان الزجاج و هو شفاف ايضا يجب ان يذوب في الفم او كالمتوحش الذي يتصور ان اكل قلب العدو الشجاع ينقل شجاعته الى الآكل او كالاجير الذي هضم المعلم حقه فقال ان جميع المعلمين هضامون للحقوق . والحاصل ان تعقل الجماعات عباره عن الجمع بين اشياء متخالفه لا رابط بينها الا الظاهر ، والانتقال الفجائي من الجزء الى الكل ومن التخصيص والتعميم بلا ترو ،و الادله التي يقدمها اليها اولائك الذين عرفوا كيفيه قيادتها كلها من هذا الطراز لانها هي الادله التي تؤثر فيها بخلاف سلسله من الادله المنطقيه فانها لا تدركها بحال .لذلك صح القول بانها لا تعقل او هي تعقل خطأ لانها لا تتأثر بالمعقول . وكثيرا ما يعجب الانسان عند مطالعه بعض الخطب من التاثير العظيم الذي احدثته في سامعيها على ما بها من الضعف و الركاكة . وكأني بالمتعجب و قد نسي ان تلك الخطب انما صيغت لكي تؤثر في الجموع لا ليقراها العلماء . الخطيب الخبير باحوال جماعته يعرف طريقه استحضار الصور التي تجذب بها ، فاذا نجح فذلك ما اراد و لو القيت خطب في عشرين مجلد بعد ذلك ما كان لها من التأثير ما أحدثته تلك الكليمات التي دخلت في الرؤوس المراد اقناعها .  وغني عن البيان ان عدم قدره الجماعات على التعقل الصحيح يذهب منها بملكة النقد اي يجعلها غير قادره على تمييز الخطا من الصواب ، وان تحكم حكما صحيحا في امر ما . اما الافكار التي تقبلها هي فهي التي تلقى اليها لا التي يناقش فيها . و الذين لا فرق بينهم وبين الجماعات في هذا الباب كثيرون ، و سهوله انتشار بعض الافكار و صيرورتها عامة ات على الاخص من عدم قدره السواد الاعظم على اكتساب الراي عن طريق النظر الذاتي .

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 7

تكلمنا في المقالات السابقة عن أخلاق الجماعات و في هذه المقالة سنتناول افكار الجماعات و تعقلها و خيالاتها . تنقسم أفكار الجماعات الى قسمين : الاول الافكار العرضية الوقتية التي تولدها بعض الحوادث لساعتها كالولوع بفرد من الافراد أو مذهب من المذاهب . و الثاني الافكار الاساسية التي تكتسب من البيئة و الوراثة و الرأي ثباتا . مثال ذلك العقائد الدينية سابقا و الافكار الديمقراطية و الاجتماعية في وقتنا هذا . فالافكار الاساسية اشبه بالماء الذي يجري في النهر بطيئا ، و الافكار العرضية تشبه الامواج الصغيرة المتغيرة على الدوام التي تضرب وجه ذلك الماء . و هي مع قلتها أظهر أمام العين من سير النهر نفسه . و كيفما كانت الافكار التي تلقى في نفوس الجماعات فانها لا تسود و لا تتمكن الا اذا وضعت في شكل قواعد مطلقة بسيطة لتبدو لها في هيئة صورة تحسنها . و ليس بين هذه الافكار المصورة اقل رابطة عقلية من التشابه أو التلازم ، فيجوز ان يحل بعضها محل بعض ، ذلك هو سبب قيام الافكار المتناقضة عند الجماعات جنبا الى جنب ، و على هذا الاساس تأتي الجماعات بأشد الاعمال تناقضا و تضاربا . ان تأثير صحة الفكر قليل جدا في السواد الاعظم من الناس . و لكن متى ما تمكن الفكر من نفس الجماعة كان له قوة لا تعارضها قوة و انتج اثارا متعددة لا بد من الرضوخ لحكمها . قطعت الافكار الفلسفية التي ادت الى الثورة الفرنسية في سيرها نحو نفوس الجماعات ما يقرب مئة عام ، و كل يعلم مقدار قوتها الجارفة بعد أن تمكنت منها . فهبت امة بتمامها لنيل المساواة الاجتماعية و تحقيق الحقوق المعنوية و اقامة صرح الحريات الذي تنتهي اليها الامال ، فزعزعت التيجان و جعلت عالي الغرب سافله ، إذ تساجلت الامم الاوروبية بالحروب عشرين عاما و شهدت القارة الاوربية من سفك الدماء و قتل النفوس ما ينخلع له قلب تيمور لنك و جنكيزخان ، مشهد لم ير البشر قبله الى اي حد يصل هول الفكر اذا انبثق . و كما أن وصول الافكار الى نفوس الجماعات يقتضي زمنا طويلا كذلك خروجها منها . لهذا كانت الجماعات دائما متأخرة في أفكارها عدة اجيال عن الفلاسفة و العلماء ، و كل رجال السياسة يعلمون اليوم ما في الافكار السياسية الحالية من الخطأ و لكنهم يعلمون ان سلطانها لا يزال متمكنا من النفوس لذا هم مضطرون في قيادة الامم الى مراعاة مقتضياتها ، و ان لم يعتقدوا شيئا من صحتها . 

Monday, 27 April 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 6

سنتكلم في هذه المقالة عن أخلاق الجماعات ، في الحقيقة اذا اردنا بالاخلاق بما اصطلح العموم على مراعاته و قمع النفس عن الاسترسال مع نزعات حب الذات فليست الجماعة أهلا لشئ من ذلك لشدة نزقها و عدم ثباتها ، لكن اذا ادخلنا ضمن معنى هذا اللفظ التخلق مؤقتا ببعض الصفات كإهمال الذات و الاخلاص و التنزه عن الغاية و تضخية النفس و الميل الى الانصاف ، جاز أن نقول بأن الجماعات أهل للتجمل بأخلاق عالية . أما السبب الذي حدا بعلماء النفس الذين بحثوا في احوال الجماعات الى الحكم عليها بانحطاط الاخلاق ، فهو كونهم قصروا بحثهم على جهة الشر فيها فلاحظوا أن أعمالهم من هذه الجهة كثيرة . نعم هذا هو الغالب في الجماعات ، و علته أن العصور الماضية تركت شيئا من شرها و خشونتها بقية اطمأنت و استقرت في قلب كل واحد منا ، و لكن الفرد منا لا يجرؤ في الاسترسال مع هذه البقية خشية الوبال الذي ستجلبها عليه ، أما الجماعة فغير مسؤولة عن اعمالها فاذا هو انخرط فيها امن العقاب فانفلت من عقاله فاتبع هواه . فشهوة الايذاء عند الجماعة كشهوة الصيد عند المغرمين به . بقي أن الجماعة كما أنها أهل لارتكاب القتل و التدمير و كل أنواع الجرائم ، هي كذلك أهل للاخلاص في العمل و لتضحية المنافع الذاتية و النزاهة بدرجة ارقى مما يقدر الفرد . بل هي أقرب منه الى تلبية من يناديها باسم الشرف و الفخار أو باسم الدين و الوطن الى حد المخاطرة بالارواح . و من ذلك أن دعى البابا اوربان الثاني اوربا المسيحية لانقاذ قبر المسيح من المسلمين حتى اجتمعت من كل انحاء اوربا جحافل الصليبيين التي انقضت على الشرق انقضاض المفترس على فريسته . و كم من جماعة تقدمت الى الموت في سبيل معتقدات و أفكار و كلمات كانت تكاد لا تفقه شيئا من معانيها . ثبت مما تقدم أن الجماعة كما أنها تميل الى الدنايا هي اهل للتحلي بأخلاق عالية و اذا صح أن يكون التنزه في العمل و الجلد و الاخلاص المطلق لمبدأ وهمي أو صحيح من الفضائل الادبية جاز القول بأن للجماعة في الغالب من ذلك ما ليس لأعقل الحكماء الا قليلا حقا ، و هي تزاول تلك الفضائل لا عن قصد و انما بمخض غريزتها . 

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 5

نكمل في صفات الجماعات و نتناول الصفة الخامسة و هي عدم مسالمة الجماعات و ميلها الى التسلط و الامرة و المحافظة على القديم ، حيث ان الجماعات لا تعرف من المشاعر الا ما كان متطرفا و هي بذلك إما ان تقبل الاراء و الافكار بجملتها او ان ترفضها جملة كذلك فليس عندها توسط . الامرة و عدم الاحتمال حاستان من الحواس التي تجيد الجماعة معرفتها ، فهي تدركهما بسهولة و تتلقاهما بسهولة و تعمل على مقتضاها بسهولة عند الطلب ، وهي تحترم القوة و تخنع لها و لا تتأثر بالحسنى الا قليلا لانها في تصورها صورة من صور الضعف ليس الا ، لذلك الجماعات لا تفضل الرؤساء الذين يتصفون بالرفق و اللين بل تفضل الطغاة المستبدين ، لمثل هؤلاء تقيم الجماعات التماثيل في كل عصر و أوان . الجماعة على استعداد دائم للإنتفاض على القائد اذا ضعف و هي تحني الرأس امام الوازع المنيع فإن تناوبه ضعف عاملته بمقتضى مشاعرها المتطرفة فتنتقل من الخنوع الى الفوضى . و لقد يخطئ القائل بأن الروح السائدة على الجماعات هي الثورة و الذي يوجب الشبهة هو قسوتها و عنفها ، و الحقيقة أن انفجار هائل للثورة و صدور اعمال تخريب عنها بنزعة عرضية تخمد سريعا لأن خضوعها لفعل الوراثة شديد بقوة تأثير الغرائز الفطرية ، فهي ميالة كل الميل الى المحافظة على الحال التي هي عليها . و من الصعب أن نفهم التاريخ و لا سيما تاريخ ثورة الامم اذا لم نكن على علم تام بتأصل المحافظة في نفوس الجماعات ، فقد تبغي الجماعة ان تغير استبدال اسماء انظمتها و قد تثور الثورة العنيفة في سبيل ذلك التغيير و لكن هذه الانظمة تبقى كما هي و الذي يتغير في الحقيقة هي الاسماء فقط ، فهي تعود دائما الى ما تلقته من الاباء و الاجداد ، فهي ترجع اليه على الدوام . و أما تقلباتها المستمرة فهي لا تتعلق الا بالمسائل العرضية اما الجوهر لا يتغير ، فالحاصل ان الجماعات محافظة يبلغ احترامها للتقاليد حد العبادة و تبغض اشد البغض بفطرتها كل ما هو جديد ، و لو أن سلطة الديمقراطية بلغت ايام اختراع الصنائع الميكانيكية و اكتشاف البخار و السكك الحديدية ما بلغته الان لاستحال تحقيق هذه المخترعات او لكان ثمنها كثير من الثورات و ازهاق ملايين الانفس . فمن حسن حظ الحضارة أن سلطة الجماعات ما بدأت في الظهور الا بعد أن تم تحقيق هذه الاكتشافات العظيمة العلمية و الصناعية .

Sunday, 26 April 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 4

نكمل في صفات الجماعات و نتناول الصفة الثالثة لهم و هي غلو المشاعر و بساطتها سواء أ كانت طيبة أو رديئة و من هذه الجهة انعدام الفرق بين الفرد مجتمعا و الكائن البدائي ، و مما يزيد في غلو مشاعر الجماعة ان كل احساس يتولد ينتشر بسرعة بفعل العدوى النفسية التي تكلمنا عنها سابقا و اجماع الكل على قبول ذلك الاحساس يزيد في قوته كثيرا مهما يكن بسيطا و ساذجا . غلو المشاعر و بساطتها يجعلانها لا تعرف الشك و التردد فهي كالنساء تذهب الى الحد الاقصى تماما و الشبهة مهما تكن تنقلب الى شئ بديهي لا يقبل الشك ، و الرجل المنفرد عندما ينفر من شئ معين لا يتعدى نفوره عدم الرغبة فيه اما الفرد الذي في جماعة فيتحول نفوره الى حقد شديد . و تزداد شدة المشاعر غلوا على الاخص في الجماعة المؤلفة من افراد غير متشابهين لفقدان تبعة الاعمال من بينهم ، فيتولد عندها من المشاعر و تأتي من الاعمال ما يستحيل صدوره عن الفرد الواحد لتحقق كل من عدم وقوعه في العقاب . و كلما كان العدد كبيرا قوي فيه هذا الاعتقاد و شعر بقوة حاضرة عظيمة ، هناك ينسى الجبان و الجاهل و الحسود درجة انحطاطهم و ضعفهم و يحل محلها خيال قوة وحشية و قتية و لكنها هائلة . و من نكد الطالع أن غلو مشاعر الجماعات يظهر غالبا في الشر ، و تلك مما ورث أهل هذا الزمان عن ابائهم البدائيين و هي مشاعر يرد جماحها الرجل المنفرد مسوقا بعامل الخوف من العقاب  و هذا هو السبب في سهولة انقياد الجماعة الى أقبح درجات التطرف ، و مع ذلك فممكن للجماعة ان تقوم بأكرم الاعمال و الفضائل اذا حسن التأثير فيها .و كما أن الجماعة تغالي في مشاعرها فلا يؤثر فيها الا المشاعر المغالى فيها ، فالخطيب الذي يريد ان يجتذب قلوب الجماهير يلزمه كثير من التوكيدات الحادة لأن المبالغة و التوكيد و التكرار و عدم التعرض الى اقامة البرهان و الدليل على اي قضية كلها وسائل يعرفها الخطباء حق المعرفة . فعلى الخطيب الذي يريد ان يؤثر في جمهوره ان يكثر من المبالغة و التوكيد و التكرار و ان لا يعتمد على البرهان العقلي لان العقل لا يؤثر في الجماعات و لو قليلا كما قلنا سلفا . 

Saturday, 25 April 2020

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 3

ان سرعة تصديق الجماعة ليس هو السبب الوحيد في اختراع الاقاصيص التي تنتشر بسرعة بين الناس بل لذلك سبب اخر و هو التشويه الذي يعتور القصة في مخيلة المجتمعين ، اذ تكون القصة الواقعية بسيطة للغاية فتنقلب صورتها في خيال الجماعة بلا ابطاء لان الجماعة تفكر بواسطة التخيلات و كل تخيل يجر  الى تخيلات ليس بينه و بينها أدنى علاقة معقولة . و لقد كان يجب أن يتعدد صور التشويش التي تدخلها الجماعة على حادثة معينة شاهدتها و ذلك لتنوع أمزجة الافراد التي تتكون عنها هذه الصور متباينة بالضرورة ، لكن المشاهد غير ذلك حيث ان اول تشويش و تخيل شاهده احد افراد الجماعة ينتقل الى باقي الافراد بالعدوى النفسية . فلنفسر ما هي العدوى النفسية بمثال ، و لنبدأ برواية واقعية من أظهر الادلة في موضوع العدوى النفسية رواها ربان السفينة جوليان فيليكس في كتابه الذي الفه في مجاري مياه البحر قال: كانت المدرعة ( لابيل بول ) تبحث في البحر عن الباخرة (بيرسو) حيث كانت قد انفصلت عنها بفعل عاصفة شديدة ، و كان النهار و الشمس صافية ، و بينما هي سائرة اذا بالرائد يشير الى زورق يساوره الغرق فشخص رجال السفينة بأبصارهم الى الجهة التي أشار اليها الرائد فرأو جميعا من عساكر و ضباط الزورق الذي يغرق جليا واضحا و سمعوا ضجيج الناس يصرخون و يصيحون طالبين النجدة ، في الحقيقة كان كل ذلك خيالا ، حيث لما اقتربوا منهم وجدوا مجموعة من أغصان الاشجار مغطاة بأوراق قطعت من الشاطئ القريب ، فتجلت الحقيقة و غاب الخيال هذا يبين لنا تأثير العدوى النفسية ضمن المجموعة حيث أن انبعاث فكرة من وحي خيال احد افراد المجموعة ينتقل الى جميع افراد المجوعة عن طريق العدوى النفسية . كما أن ليس من الضروري أن تتكون المجموعة من عدد كبير من الناس حتى تنعدم فيهم حاسة ابصار الاشياء على حقيقيتها ، و تبدل الحقائق الى خيالات لا ارتباط معقولا بينها ، بل انه متى ما اجتمع عدد من الافراد تألفت منهم جماعة حتى و ان كانت هذه الجماعة متألفة من اكابر العلماء ، ففي الحال تنطفئ ملكة التمييز و النقد في كل واحد منهم . 

روح الجماعات ، غوستاف لوبون ، الجزء 2

سنتكلم عن صفات الجماعات في هذه المقالة و المقالات  القادمة ، ان اهم ما تتميز به الجماعات هو قابليتها للاندفاع و التقلب و الغضب ، فالافعال الصادرة عن الجماعات ليس للعقل اي تأثير فيها و انما تكون طوعا للمؤثرات الخارجية ، فالجماعة تكون العوبة بيد المهيجات الخارحية ، نعم قد يقع الفرد تحت تأثير تلك المؤثرات عينها في حال كونه منفردا غير موجود ضمن جماعة الا انه يحكم رأيه فلا ينقاد لحكمها اما الجماعة فهي عاطلة عن مثل هذا الضبط و الكبح . تتبع الدوافع المختلفة التي تبعث الجماعة الى الفعل طبيعة المؤثرات التي ترجع اليها و على هذا يمكن ان تكون الجماعات رحيمة او قاسية و ممكن ان تكون مجرمة او شجاعه حسب طبيعة المؤثرات الخاضعه لها ، و لما كانت انواع المؤثرات الخاضعه لها الجماعة مختلفة لزم منه ان تكون الحماعة متقلبة ايضا ، و هذا السبب الذي يجعل الجماعة تنتقل من اكثر الاعمال رحمة و كرما الى اكثرها فظاعة و وحشية ، فما اسهل ان تصير الجماعة ضحية و لكن  ما اسهل ان تكون جلادا و على هذا لا يوجد اي من اعمال الجماعة ما يكون خاضعا للفكر المتأن و الروية و انما تكون خاضعة تماما للمؤثرات الخارجية فهي كاوراق الشجر التي تحركها الرياح حيث شاءت . ليست قابلية الاندفاع و التقلب هي الصفة الوحيدة التي تمتاز بها الحماعة فهي كالهمجي الذي لا يطيق وجود حائل بين ما يرغب و بين تنفيذ تلك الرغبة فتصور المستحيل عنده غير موجود ، فهو ما إن تعن له رغبة حتى يسعى في تحقيقها فليس للمحال عنده وجود  . الصفة الاخرى للجماعات هي قابليتها على التأثر و التصديق ، فكيفما ظهرت على الجماعات شارات الهدوء و السكون ، فهي عند أول مؤثر تراه يخضعها له و في الحال تتجه جميع الافكار و المشاعر الى غرض واحد ، و سواء كان ذلك الغرض هو حرق قصر او اتيان عمل كريم فانها تندفع نحوه بسهولة و الامر يتوقف على طبيعة المؤثر و ليس على رجاحة العقل في اتيان الفعل او الاحجام عنه كما في الافراد . و لما كانت الجماعات محلقة على الدوام في فضاء اللاشعور فانها تتأثر بسهولة بجميع المؤثرات التي تخضع لها فهي مجردة تماما عن ملكة النقد و التمييز .

Roman history part 10, the second Punic war 6

In the aftermath of capturing Terentum. The city of thory sent to Hanniabl  appealing to him to librate them from the Roman rule. Hannibal s...