الطريقة الاقتصادية في دراسة التخلف .
ركزت هذه الطريقة في مرحلة أولى على أدوات الإنتاج و مستواه ، متخذة منطلقا تقنيا صناعيا . ثم تطورت في مرحلة تالية للاهتمام بدراسة البنى الاقتصادية للبلد المتخلف ، و هو تطور يذهب في اتجاه مزيد من العمق و الشمول في البحث عن دينميات التخلف ، بينما اعتبرت المرحلة الاولى للتخلف مجرد مسألة تأخر تقني : بدائية في وسائل الانتاج ، ضآلة في مستوى التصنيع .
التخلف الصناعي و التقني .
يكاد التخلف يكون مرادفا لقلة التصنيع و بدائيته . هنالك سوء استغلال للثروات ، يصل الى حد انعدام الاستغلال ، و تبقى الوسائل الصناعية المستوردة ( الآلات و غيرها ) مكدسة يصيبها التلف بعد حين ، لعدم وجد من يستخدمخا أو لرداءة الصيانة .
يقول فالكووسي في كتابه ، مشكلات التنمية في العالم الثالث : إن البلد المتخلف يتميز يتصف بالطابع السكوني للاقتصاد . و هذا يعني مستوى منخفضا من القوى الانتاجية ، و بالتالي مستوى منخفضا من وسائل العمل و مهارة اليد العاملة . فوسائل الانتاج بدائية بشكل عام و هي لم تتغير منذ قرون مقارنة بالبلدان المتقدمة . و ينجم عن هذا وسائل انتجاية ضعيفة و دخل منخفص و هذا هو سبب ظاهرة الفقر و البؤس للسكان معيشيا . ان العلة بحسب هذه النظرية ترجع الى الافتقار الى الوسائل القادرة على رفع مستوى الانتاج و اليد العاملة الفنية و التي لا يمكن من غيرها الافادة من وسائل الانتاج الحديثة . و ينتج عن هذا انخفاض في الدافع الى التوظيف بسبب قلة الربح .
و لكن لا يفوت الباحث أن الانخفاض في مستوى القوة الانتاجية لا يرجع فقط الى الافتقار الى الوسائل القادرة على رفع مستوى الانتاج و اليد العاملة ، و إنما يرجع أساسا الى البنية الاجتماعية ، و بالنظام الاجتماعي السائد ، و هو عادة من النوع الاقطاعي الذي تندر فيه التحولات الرأسمالية . إن ربط المستوى التقني بالبنية الاجتماعية و النظام الاجتماعي السائد بالإضافة الى ضرورته ، يضعةالمشكلة في إطارها الصحيح ، فالعلاقات الانتاجية الاقطاعية لا تسمح بالتطوير الاجتماعي ، لذبك فهي تمثل المعرقل الأساسي لعملية النمو .
و إذا أتينا لتعريف المؤلف لخصائص الاقتصاد المتخلف الذي يقول : إنه اقتصاد لا يكفي مجموع رؤوس الأموال المتوفرة فيه ، لاستخدام اليد العاملة المتاحة ، على أساس التقنية الحديثة للإنتاج و لا لاستثمار الثروات الطبيعية . واضح أن هذا التعريف يركز على مشكلة رأس المال من ناحية و على أدوات الانتاج من ناحية أخرى ، و لكنه لا يأخذ بنظر الاعتبار أن رأس المال المتوفر أحيانا ، كما في بعض الدول النامية الغنية ، لا يوظف بطريقة انتاجية ، و إنما يصرف لأغراض استهلاكية . أما مسألة بدائية وسائل الانتاج فهي فما هي الا نتائج لعوامل أعمق منها ، عوامل اجتماعية تضرب في جذورها في عمق المجتمع المتخلف .
إن البلدان النامية لا تفتقر الى الصناعة المتطورة و لا إلى الزراعة المتطورة كليا ، حيث أن هذه البلدان الظروف التي كانت فيها تختلف تماما عن الظروف التي كانت قائمة في البلدان الصناعية قبل الثورة الصناعية .
على المستوى الصناعي يقول العالم لاكوست بوجود تناقض صارخ بين قطاع الحرف ذات الطرق البدائية و بين القطاع الاقتصادي ، و الانفصال بينهما شبه تام . فالحرف موجهة لسكان البلد نفسه ، أما القطاع الصناعي فهو يخص القلة ، و هو متوجه الى الخارج أساسا ، من حيث الاستيراد و التصدير و موارد الأرباح . فالقطاع الصناعي معزول تماما عن المجتمع و بالتالي ليس له تأثير في تغيير بنية المجتمع الاجتماعية . كما أن مردوده المالي لا يرجع على المستوى الشعبي رخاءاً و ازدهاراً و إنما يذهب في أيدي القلة القليلة .
أما في البلاد المتقدمة ، فالتصنيع ظاهرة شاملة ، متنوعة و متماسكة و تراكمية . فهي تشمل مختلف قطاعات السكان ، و تنعكس عليهم و على نمط حياتهم . و هي متماسكة فيما بينها فهنالك تكامل بين الالات و المواصلا و النظم الحسابية ، و تراكمية بمعنى أن الآلات تنتج آلات أخرى ، تطورها و تزيد فعاليتها . ذلك هو الفرق بين الصناعة في البلدان المتقدمة و البلدان المتخلفة .
إذن نستنتج أن التخلف و القصور في الصناعة لا يرجع فقط الى قصور في الإمكانات فقط ، أي في وسائل الانتاج و اليد العاملة ، و إنما ينتج عن بنية اجتماعية متصلبة تشل النمو الصناعي و هذا هو السبب الرئيس للقصور و التخلف الصناعي ، و ليس نقص وسائل الانتاج و اليد العاملة إلا نتيجة من نتائجه .
No comments:
Post a Comment